الإعلام في شهر الصيام له زخمه الخاص على المشاهدين الذين يمدون أعناقهم لاستقبال المسلسلات التي يتم الإعداد لها بعد نهاية كل رمضان بشكل مباشر، والكل يلاحظ أن الإعلام في رمضان وبالذات في القنوات الفضائية شيء مختلف تماماً عن بقية الشهور وينطبق عليه ذات التنافس الذي يخوضه البعض في السبق بالعبادات لخصوصيتها المميزة مقارنة ببقية الأزمنة. وقليلاً ما وجدنا النافع من تلك المسلسلات التي تهاجم المشاهد أحيانا على حين غرة وتأخذ من وقته الكثير بعد أن يكتشف أنها لا علاقة لها بما يحدث في واقعه، فالصورة العامة التي عرضت في تلك المسلسلات الرمضانية وخاصة الخليجية منها لا تعبر عن هموم ومعاناة الشعوب في يومياتها وليس أدل على ذلك من "نجمة الخليج" فلا يمكن أن يكون على مدار الشهر جزء من المشكلات التي تبحث لها عن حل يبعثر شتات الناس حوله، فهي قضية تصلح للعرض في حلقة نقاشية فنية لتمر كغيرها من القضايا العابرة للقارات. ولو قامت جهة ما باستطلاع آراء الجماهير التي تمارس عملية الاتصال بهذه المسلسلات التي يعتبرها البعض جزءاً من وجبة الإفطار الشهية، لكان الاختيار المبدئي لمسلسلات محددة للغاية والتي تتصف بأنها جمعت أطياف الأسرة الواحدة حولها وأخذت كل التركيز المطلوب عند مشاهدة مسلسل يستحق الوقوف عنده ولو قليلاً والتأمل في مدى الحاجة إلى تكثيف بعضها وتبخر البعض الآخر من بين يدي المشاهد بسهولة بعد الندم على ضياع أثمن الأوقات في شهر يفترض فيه البحث عن الأنسب لإحياء الوقت بدل قتله. مع ذلك لا تخلو الساحة من الجيد وسط الغث من وجهة نظرنا فإن مسلسل "فريج" يعد نقطة ضوء ساطعة وسط ذاك الركام الإعلامي، وجاء طرحه لكي يقلب بعض الموازين في الأعمال الفنية التي تعتمد على شخصيات كرتونية إلكترونية لإيصال رسائل مختصرة إلى المجتمع المحلي في الإمارات بشكل خاص وكذلك الخليجي على وجه العموم. ينبغي أن لا نسمح لـ"الفريج" الذي وجدنا فيه أنفسنا جميعاً أن يمر هكذا، فقد تقدم هذا المسلسل السلس الكثير من البرامج والمسلسلات التي جمعت الأقلام في كتابتها وأحرقت الأفلام في تصويرها. "فريج" الذي دمج بين الأصالة والمعاصرة ونجح في إعادة ترتيب وتجميع البيت الخليجي حوله، فالمشاهد الكبير قبل الصغير، بل ويمكننا القول إن الأسرة الملتفة حوله لم تشعر بأنها غريبة عن هذا "الفريج" فقد تمثل الجميع شخوصاً متحركة لهذا المسلسل الذي اعتمد على "الفرفشة" بكل براءة لأجل تكريس وتذكير الجمهور ببعض ما فقدناه ونسيناه من حياتنا في "الفريج". وسط هذا الكم الهائل من البرامج والمسلسلات وجدنا أن العمل الفني على مستوى "فريج" لو تحول إلى شخوص غير كرتونية بل إنسانية تحكي نبض المجتمع الحي لتغيرت صورة الإعلام في رمضان، حتى على مستوى الترويج للأعمال التي تلقى نجاحاً جماهيرياً في فترة زمنية قصيرة. وكان المسلسل الآخر الذي مضى قدماً على خطوات "فريج" مع فارق المضمون والأهداف الذي جسد صورة رائعة من الحياة في "الفرجان" القديمة بما فيها من عبق الماضي وتاريخه العريق في تماس حياة الإنسان الخليجي بمشاكله الاجتماعية الحية. يمضي رمضان ويليه آخر وكلنا شخوص شهود على كثافة عطاء الدراما فيه وتبقى لنا مشاكل أكبر بكثير من المنافسة على "نجمة الخليج" لا يتم التطرق إليها والهمس حولها، فتنشغل القنوات بالجزئيات الهامشية على حساب الكليات الواضحة فلعل "فريجنا" في السنوات المقبلة يكون فاتحة خير على بقية "الفرجان" الإعلامية. د. عبدالله العوضي