قبل نحو ثلاثين عاماً، وقف الرئيس ليندون جونسون أمام "ساعة السكان" التابعة لمكتب الإحصاء الأميركي للإعلان عن قدوم الأميركي رقم مائتي مليون. ولكن لا تتوقعوا أن يفعل الرئيس بوش الأمر نفسَه عندما يولد الأميركي رقم 300 مليون في غضون أسبوع أو نحو ذلك. ذلك أنه نظراً لارتباط هذا الحدث بموضوع الهجرة المشحون سياسياً هذه الأيام، ونظراً لرد الفعل الذي صدر عن المهاجرين في معظم أرجاء البلاد، فمن الأرجح أن يلزم الرئيس الصمت. ولما كانت الهجرةُ تمثل محرك دفع بالنسبة للنمو السكاني في الولايات المتحدة، فمن المحتمل أن يكون الأميركي رقم 300 مليون ابن مهاجرين. إذ يُنسب نحو نصف النمو السكاني الأميركي شهرياً أو سنوياً (عبر الهجرة أو الزيادة الطبيعية) إلى المنحدرين من أصول أميركية لاتينية، وأغلبيتهم الساحقة من أميركيي الجيل الأول أو الجيل الثاني. وعليه، فالاحتفال بهذه الحقيقة علناً قبل أسابيع معدودة من الانتخابات النصفية، سيكون بمثابة مغامرة سياسية. ولهذا الموضوع علاقةٌ أكبر بـ"الصدمة الثقافية" التي يرمز إليها الأميركي رقم 300 مليون؛ ذلك أنه سيأتي في النهاية إلى أميركا مختلفة كثيراً عن تلك التي كانت قبل 30 سنة خلت. وراء المسألة جيلُ الطفرة السكانية أو (Baby boomers) التي حدثت في الفترة بين أواخر الأربعينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي، وهم مجموعة تضم اليوم معظمَ البالغين الذين يتجاوز سِنُّهم الأربعين. لقد جاء هذا الجيل ليجسد صورة أميركا الوسطى خلال النصف الثاني من القرن الماضي. فقد حملت بهم أمهاتهم خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية المزدهرة، وجلبوا حساسية تقدمية وثورية إلى البلاد خلال الستينيات والسبعينيات وما بعدهما. وبفضل برامج "المجتمع العظيم"، أصبحوا أكثر جيل يتلقى تعليماً جيداً إلى اليوم ونموذجاً للطبقة الوسطى البيضاء عموماً. لقد أصبح هذا الجيل بالغاً في وقت أصبحت فيه الولايات المتحدة أكثر عزلة مما كانت عليه؛ ونتيجة لذلك، كانوا أقل احتكاكاً بالمهاجرين والحروب الخارجية، مقارنة مع آبائهم. ذلك أنه في الفترة بين 1946 و1964، أي سنوات الطفرة السكانية، تقلصت حصة المهاجرين من السكان الأميركيين إلى مستوى منخفض (تحت 5 في المئة)؛ كما أن معظم الذين وصلوا كانوا بيضاً قدموا من أوروبا. وبالرغم من اهتمامهم بتقويم ما اختل داخلياً من قبيل التمييز العنصري، إلا أنه لم يكن لهم تفاعلٌ كبير مع الناس من بلدان أخرى. وبالتالي فربما ينبغي ألا تكون مفاجأة أن يُبدي المنتمون إلى هذا الجيل الذي كان ليبرالياً في وقت من الأوقات –ويشكل اليوم الطبقة المتوسطة في أميركا– مقاومة لجيل البلاد الأصغر الجديد، المؤلف على نحو متزايد من الأميركيين اللاتينيين والآسيويين من الجيلين الأول والثاني. اليوم، اتخذَ ما كان يسمى في ما مضى بـ"الحركة البيضاء"، في إشارة إلى هذا الجيل الذي انتقل إلى الضواحي خلال عقدي الخمسينيات والستينيات، شكل "خوفٍ أبيض". إذ تُظهر دراسةٌ لـ"مركز بيو للبحوث" في شهر مارس الماضي، أن أكثر من نصف السكان ممن تتجاوز أعمارهم 50 عاماً، يعتقدون أن المهاجرين يمثلون عبئاً ثقيلاً على المجتمع لأنهم يأخذون السكن والوظائف والخدمات الطبية. والحال أنه لا يوجد ما يدعو للقلق بخصوص الهجرة، ذلك أنها تضيف عنصراً شاباً إلى مجتمع سيصبح راكداً من الناحية الديمغرافية، إذا اضطر إلى الاعتماد على مستوى الخصوبة الضعيف لسكان البلاد البيض. وعلاوة على ذلك، فإن ضخهم في القوة العاملة سيكون مفيداً بشكل خاص بالنسبة لأفراد جيل الطفرة السكانية المشرفين على سن التقاعد والذين يرغبون في تلقي الدعم في الهزيع الأخير من العمر. لم تكن السنوات التي عرفت انخفاضاً في الهجرة، والتي نضج خلالها معظم السكان البالغين اليوم عادية؛ حيث خلقت مواقف "احرص على خدمة نفسك بنفسك" التي كانت تتبناها أجيال أوائل القرن العشرين، والتي صمدت أمام الأزمة الاقتصادية لأواخر العشرينيات والحرب العالمية الثانية، وخلقت الظروف التي مهدت لقدوم جيل الطفرة السكانية. والحقيقة أن نفس النوع من المواقف التي تؤمن بالقدرات الذاتية تَظهرُ جليةً في أوساط مهاجري أوائل القرن الحادي والعشرين وأبنائهم، الذين يبدون رغبة قوية في العمل بجد، وفي تعلم اللغة الإنجليزية، والانتقال إلى الضواحي، وتحقيق "الحلم الأميركي". والواقع أن الجدل الحالي حول موضوع الهجرة مشحون سياسياً وعاطفياً، غير أن مناقشة أكثر عقلانية ستصبح ممكنة عندما يهدأ وقع انتخابات نوفمبر النصفية. والواقع أن مناقشة من هذا القبيل ينبغي أن تتجاوز المعارضة الفورية للهجرة غير القانونية، وتُركز على إيجاد أفضل الطرق لإرشاد القادمين الجدد وأبنائهم إلى طريق الطبقة الوسطى –أي الطريق نفسه الذي أُرشدنا إليه. في انتظار ذلك، لنحتفل بقدوم الأميركي رقم 300 مليون، سواء كان مما وراء الحدود أو ابن أم من أصل أميركي لاتيني في جنوب كاليفورنيا. قد لا يكون هذا المولود الجديد من أطفال الطفرة السكانية، إلا أنه يمثل مستقبلنا. ويليام فري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذ باحث بمركز دراسات السكان التابع لجامعة ميشيغان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"