بحلول الذكرى الخامسة للغزو الأميركي العسكري لأفغانستان تمر هذه الأخيرة بأسوأ أزمة منذ الإطاحة بنظام "طالبان" عام 2001. فقد خلفت الهجمات التي ينفذها المتمردون، والعمليات الانتحارية المنتشرة إلى سقوط أكثر من 2000 قتيل خلال هذه السنة. كما أن سوء إدارة وغياب الفرص الاقتصادية زاد من تفاقم الأزمة الأمنية، ناهيك عن ارتفاع إنتاج المخدرات إلى مستويات قياسية. والنتيجة أن الحكومة بدأت تفقد سيطرتها على العديد من المناطق التي سقطت في أيدي المتمردين وأمراء الحرب، فضلاً عن تفشي الفساد والتسيب. ويختلف الوضع الحالي لأفغانستان عن الصورة السابقة التي ظهرت عليها إثر نجاح الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتطور حقوق المرأة، وتحرر وسائل الإعلام وروج لها طويلاً على أنها نموذج جيد لبناء الدول بعد الحروب. وبينما كانت أفغانستان نموذجاً يراد تطبيقه في العراق، أصبحت اليوم تستلهم من العراق الأساليب الإرهابية والهجمات الأكثر دموية. فما هو الخطأ الذي ارتكب في أفغانستان وجعل الأمور تسوء على هذا النحو؟ هل السبب في نشر قوات غير كافية في بلد يعرف بتضاريسه الوعرة، أم لقلة الاستثمار في جهود إعادة الإعمار؟ هل تسببت الحرب في العراق إلى تحويل الانتباه الأميركي عن إتمام المهمة في أفغانستان والتخلي عنها؟ هل كانت المقاربات الخاطئة في مجال إعادة الإعمار من قبل المجتمع الدولي والحكومة الأفغانية هي المسؤولة عن تدهور الأوضاع أم أن الفشل راجع إلى العجز عن التعامل مع التمرد الداخلي في إطار تنامي ظاهرة الإرهاب إقليميا ودوليا؟ ومع أنه لا يمكن إغفال التقدم الحقيقي الذي أحرز في أفغانستان، إلا أن المشاكل الحالية التي تتخبط فيها البلد ناتجة عما لم ينجز، وليس عما تم إنجازه. فمنذ البداية تبدى مفهومان خاطئان حكما التدخل الدولي في أفغانستان، فمن جهة كان ينظر إلى البلد على أنها الجبهة العالمية الأولى لمكافحة الإرهاب والتصدي لأخطاره، بينما لم يتم نشر القوى اللازمة للتصدي لتهديداته المعلنة، وهو ما يعيق جهود إعادة إعمار أفغانستان. ورغم مضي كل هذا الوقت على الإطاحة بنظام "طالبان"، فإن القوى الغربية التي دخلت أفغانستان لم تأخذ بعين الاعتبار احتمال رجوع "طالبان" إلى الواجهة، أو الدور الذي يمكن أن يلعبه المحيط الإقليمي في تأجيج العنف ونسف ما تم القيام به من إنجازات. والأكثر من ذلك أدى تعاون القوات الغربية مع أمراء الحرب للقضاء على "طالبان" إلى تقوية شوكتهم ومنحهم نفوذاً كبيراً جعلهم لا يتورعون عن انتهاك حقوق الجماعات العرقية التي لا تنتمي إليهم، ما أحدث انقساماً كبيراً في المجتمع الأفغاني، وساعد على تفاقم العنف. وقد أدى الفشل أيضاً في التصدي الفعال لتجار المخدرات، أو في طرح خيارات بديلة أمام الأفغان عدا زراعة الخشخاش، إلى ارتفاع قياسي في نسبة إنتاج المخدرات وما سيتتبع ذلك من تفشي الفساد على نطاق واسع، واستخدام أموال المخدرات في تمويل المتمردين. وُيضاف إلى ذلك سوء تدبير الأموال المخصصة للاستثمارات من قبل الوكالة الدولية خارج المراقبة الحكومية ما أفضى إلى تعطيل جهود إعادة الإعمار وتقويض سيادة القانون. العامان اللذان أعقبا الحرب في أفغانستان فرصة ثمينة لإنجاح جهود إعادة الإعمار، بعدما تم القضاء على "طالبان" وتشتت أنصارها في أنحاء البلاد. ففي تلك الفترة كان الدعم الشعبي كبيراً للسياسات الحكومية، كما نجحت القوات الدولية في كسب عقول وقلوب الشعب الأفغاني، الذي علق عليها أمل تخليصه من نظام "طالبان". وفي أحيان كثيرة شارك أفراد الشعب الأفغاني في إحباط العديد من الهجمات الإرهابية وإطلاق سراح المختطفين. بيد أن هذه الفرصة لم تنتهزها الولايات المتحدة على النحو الأكمل بعدما خطف العراق كل مواردها وتركيزها، بينما تركت أفغانستان نهباً للجهاديين الذين استغلوا تورط أميركا في العراق لاستعادة نفوذهم في أفغانستان. وفي تطور خطير على الساحة العسكرية، قامت الحكومة الأفغانية في بعض الولايات بتسليح الميليشيات المحلية لحفظ الأمن والتصدي لحملات "طالبان"، مع أن الحكومة الأفغانية ما زالت تعاني من وجود السلاح خارج إطار وحدات الجيش، ويعتبر ذلك مهددًا للأمن والاستقرار وسيطرة النظام والقانون. وهذا التصرف يشبه ما قامت به الحكومة الشيوعية السابقة المدعومة من الاتحاد السوفييتي-قبل سقوطها- عندما أرادت الخروج من أفغانستان؛ إذ قامت في ذلك الوقت بتسليح ميليشيات الأوزبك والهزارة للدفاع عن الحكومة والتصدي لحملات المجاهدين، الأمر الذي ترك بصماته السلبية على وحدة البلاد وأمنها واستقرارها. أما الأميركيون وقوات التحالف، فقد توقعوا تزايد العنف في أفغانستان بعد إبداء رغبة الولايات المتحدة في تقليص جزئي لعدد جنودها في أفغانستان، وهذا ما جاء على لسان "ريتشارد باوتشر" مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون وسط وجنوب آسيا للصحفيين، رغم نفي "باوتشر" والسفير الأميركي لدى أفغانستان" رونالد نيومان" أي تكهن بانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. لذا لم يجد الساسة الغربيون بدًّا من العزم على زيادة أعداد القوات العسكرية في أفغانستان لدى زيارتهم لها خلال الشهرين الأخيرين، ووافق الحلف الأطلسي أن يتوسع انتشاره في المناطق الجنوبية والغربية ويرفع عدد قواته إلى 21 ألف جندي. وأعلن القائد الأعلى لقوات الحلف الأطلسي الجنرال الأميركي "جيمس جونز" أنه من الممكن تسلم حلف شمال الأطلسي قيادة جميع قوات التحالف في أفغانستان بحلول شهر أغسطس القادم؛ لتصبح القوات الأميركية في المناطق الشرقية تحت قيادة قوات الحلف في المرحلة الأخيرة من توسعة مهمة الحلف الذي يضم 26 دولة ليتولى المسؤولية في شتى أنحاء البلاد، وبهذا سيبلغ حجم القوات الأجنبية في أفغانستان أعلى معدل له منذ الإطاحة بنظام "طالبان"، فيما ستصبح أصعب مهمة برية للحلف الأطلسي في تاريخه الممتد 58 عاماً، وستسمح هذه العملية للولايات المتحدة بسحب نحو 3500 من جنودها لخفض عدد قواتها في أفغانستان، والبالغ نحو 19 ألف جندي. علي أحمد جلالي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وزير الداخلية الأسبق في أفغانستان-(2003 إلى 2005). ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"