ربما كان استقبال معالي حميد القطامي، وزير الصحة، أعضاء مجلس إدارة "جمعية الإمارات الطبية" فرصة نادرة تعرّف الكثيرون خلالها إلى أن لدينا من بين المئات من جمعيات النفع العام المسجلة بالدولة، جمعية بهذا الاسم تضمّ تحت لوائها الأطباء. مشكلة "جمعية الإمارات الطبية" تمثّل في جوهرها قاسماً مشتركاً لمعظم جمعيات النفع العام التي لا يعرف الجمهور أنشطتها سوى في مناسبتين رئيسيتين لا ثالث لهما؛ أولاهما اجتماعات مجالس الإدارات أو استقبال المسؤولين لهم، ودون ذلك لا صوت للكثير من هذه الجمعيات ولا دور ملموساً لمعظمها في تنمية المجتمع. القضية إذن لا تخصّ "جمعية الإمارات الطبية" بمفردها، ولكنها تطال هذا القطاع الحيوي التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، حيث يفترض أن تلعب هذه الجمعيات دوراً حيوياً في الحراك الذي يشهده المجتمع الإماراتي حالياً من خلال انتخابات المجلس الوطني الاتحادي، ولكن الواضح أن هذه الجمعيات غائبة تماماً عن هذا الحراك ولا دور لها في نشر الوعي الانتخابي أو أي أدوار أخرى تتناسب مع إمكاناتها البشرية والمادية والتنظيمية وأيضاً المأمول منها. المهم في استقبال وزير الصحة لأعضاء مجلس إدارة "جمعية الإمارات الطبية" أن الوزير وعد بدعم توجّهات ومطالبات الجمعية، وعلى رأسها إلزام الأطباء العاملين في القطاعين العام والخاص كافة بالانتساب للجمعية، وهذا المطلب منطقي ومشروع وهو حق للجمعية، ليس فقط من أجل تفعيل دورها، ولكن أيضاً باعتبار ذلك إحدى آليات السيطرة على الفوضى الإدارية والأخطاء المنتشرة في القطاع الطبي الخاص، وبحيث تصبح عضوية الجمعية شرطاً ملزماً لالتحاق الأطباء بالعمل، سواء في القطاع الطبي الخاص أو الحكومي، أو ممارسة نشاط طبي في عيادات خاصة وبحيث تصبح عضوية الجمعية شأنها شأن الحصول على ترخيص مزاولة المهنة من وزارة الصحة. والمؤكد أن توسيع نطاق العضوية بهذه الطريقة يمكن أن يكون مصدر دخل يفتح الباب أمام تنشيط دور الجمعية ويعزز دورها في الرقابة التقنية على مهنة الطب والإسهام في تطويرها وتعزيز خبرات أعضاء الجمعية عبر تنظيم الندوات والدورات والمحاضرات والمؤتمرات وورش العمل في مختلف التخصّصات الطبية على مدار العام، ولكن الأهم من ذلك كله أن مسألة توسيع عضوية الجمعية لا ينبغي أن تصبح موضع اختيار، وأن تتحوّل إلى شرط إلزامي بحيث تتحوّل الجمعية إلى رابطة قادرة على محاسبة أعضائها في حالات الخطأ المهني وغير ذلك، وتصبح قادرة على تقديم الدعم والإسناد لجهود وزارة الصحة في الرقابة الصحية عبر ميثاق شرف مهني ملزم لأعضاء الجمعية كافة. ممارسة الطب في الدولة تنطوي على خروقات ومخالفات عديدة يتركز معظمها في القطاع الخاص، وربط الممارسة بالحصول على تصريح أو ترخيص من وزارة الصحة لم يعد كافياً، بل لا بدّ من ضمانات أخرى وجهات أخرى أهلية تضع هذه المهنة تحت رقابتها وسيطرتها بالتنسيق مع وزارة الصحة خصوصاً أن التوسّع المرتقب في المنشآت الطبية خلال السنوات المقبلة قد يضاعف العبء على أجهزة وزارة الصحة ويجعل من الرقابة الجدية أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً، وبالتالي فإن الحل في "جمعية الأطباء" وما يسري على هذه الجمعية يمكن أن يكون نموذجاً لجمعيات أهلية أخرى في الدولة، بحيث تشهد الفترة المقبلة تنشيطاً للأدوار والمهام وتفعيلاً لهذه الجمعيات كي تؤدي الأدوار المجتمعية المنوطة بها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.