ربما كان من السهل الإطاحة برئيس الوزراء التايلاندي "تاكسين شيناوترا" من قبل الحكام العسكريين، لكن من الصعب محو تركته السياسية التي كرسها على مدى سنوات من الحكم. وقد جاءت استقالة "شيناوترا" إلى جانب أكثر من مئة مشرع ينتمون إلى حزبه السياسي خلال الأسبوع الماضي لتعلن نهاية حزب "ثاي راك ثاي"، الذي هيمن على الحياة السياسية في تايلاند طيلة الخمس سنوات الماضية. وبينما سيدخل المشهد السياسي للبلاد مرحلة جديدة بعد الإطاحة برئيس الوزراء وإطلاق الجيش لوعوده بإجراء الانتخابات قريباً، سيظل موضوع كسب قلوب الفقراء في الأرياف الذين تعززت مكانتهم في ظل الحكومة المخلوعة عالقاً وسيلقي بظلاله الكثيفة على الحياة السياسية في تايلاند لفترة طويلة بعد الانقلاب الأخير. وفي هذا الصدد يقول "جيليس أمباجون"، المحلل السياسي بجامعة "بانكوك": "لقد كانت حكومة "ثاي راك ثاي" فاسدة، وارتكبت العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، لكنها كانت أول من أخذت مطالب الفقراء بعين الاعتبار"، مضيفاً "ليس في مقدور أحد إعادة الجني إلى القمقم، إن هناك اليوم أكثر من 16 مليون من الفقراء ينتظرون ما ستقوم به الحكومة الجديدة لصالحهم". وتمثلت الأزمة السياسية التي هزت البلد البوذي ذي الـ65 مليون نسمة ومهدت الطريق للانقلاب الأخير بالصراع المستمر بين الطبقة الوسطى في العاصمة بانكوك -التي كانت تتهم رئيس الوزراء "تاكسين" بالجشع والفساد- والفقراء في الأرياف الذين كانوا ينظرون إليه كشخص يهتم بهم ويسعى إلى تحسين ظروفهم الحياتية. لذا فإن الطريقة التي سيتعامل بها رئيس الوزراء المعين "سورايود شولانونت"، مع الفقراء خلال الشهور والسنوات المقبلة ستساهم في تحديد المشهد السياسي في تايلاند ورسم مستقبل البلاد. لكن الحماس الجماعي الذي تَملك القوى المناهضة لحكومة "تاكسين" عقب الانقلاب ركز فقط على الإطاحة برئيس الوزراء من منصبه. واليوم بعد رحيل "تاكسين" من الحياة السياسية تواجه تلك القوى إغراء القطع مع جميع السياسات التي كان ينتهجها "تاكسين" دون بلورة رؤية بديلة تنافس تصورات رئيس الوزراء المخلوع. وفي هذا السياق يقول عضو سابق في الفريق الاقتصادي لحزب "ثاي راك ثاي" رفض الكشف عن اسمه: "هناك بعض الأشخاص الذين لا هم لهم سوى قلب السياسات السابقة والقطع معها نهائياً، لكن ليس كل ما جاءت به حكومة تاكسين كان شراً مطلقاً، بل انطوت على أمور إيجابية لابد من الاعتراف بها". فقد أرست الحكومة السابقة أسس الإصلاح السياسي عندما أقرت دستور 1997 الذي يضع حدا للاضطرابات السياسية التي هزت تايلاند على مدى العقود الماضية. فخلال تلك المرحلة المضطربة لم تكن الحكومات تعمر أكثر من 18 شهراً بسبب تغيير المواقع السياسية داخل البرلمان وقفز المشرعين من حزب لآخر دون رادع. فجاء دستور 1997 ليرسي أركان جهاز تنفيذي قوي منع أعضاء البرلمان من تغيير أحزابهم السياسية. وهكذا تهيأت الظروف السياسية وأصبحت يانعة لحزب "ثاي راك ثاي" الذي أسسه "تاكسين" بعد سنة على إقرار الدستور الجديد واستطاع من خلاله الصعود إلى السلطة سنة 2001 بعد فوز حزبه في الانتخابات البرلمانية. وبعد مرور أربع سنوات على الانتخابات الأولى أذهل حزب "ثاي راك ثاي "خصومه عندما حاز على أكثر من 60% من الأصوات الشعبية لتصبح بذلك أكبر نسبة فوز في الحياة السياسية التايلاندية. غير أن الحزب سرعان ما تحول إلى ضحية نجاحاته الباهرة، حيث تجند ضده الأكاديميون والنخبة الموالية للملك الذين اتهموا "تاكسين" بتقويض نظام توازن السلطات، معتبرين أنه لم يعد صالحاً لقيادة الحكومة. وفي ظل هذه الأوضاع السياسية المحتقنة قام الجيش بانقلاب في 29 من شهر سبتمبر الماضي ليضع حداً لحكومة "ثاي راك ثاي"، ويفتح آفاقاً سياسية مازالت معالمها لم تتضح بعد. دانيال تين كيت ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في بانكوك ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"