تمر هذه الأيام مع زيادة حالة الاحتقان في منطقتنا العديد من المناسبات التي تذكِّرنا وتشعِرنا بمدى الوهن والضعف والتفكك التي نعاني منها في بيئتنا ومحيطنا العربي الإسلامي. والبداية من الذكرى الـ33 لحرب 6 أكتوبر أو 10 رمضان أو تشرين أو "يوم الغفران"، التي كانت نصف انتصار ونصف هزيمة لنا، والتي تتزامن ذكراها أيضاً مع مرور ربع قرن على اغتيال الرئيس السادات. وهي الذكرى نفسها لمرور ربع قرن على حكم نائبه الرئيس حسني مبارك. تلك الحرب التي كان من المأمول أن تؤدي لتعزيز الأمن القومي العربي وتؤدي إلى استعادة العرب لزمام المبادرة ولجعل الاعتداءات على العرب أمراً مكلفاً وتقيم نظاماً أمنياً وتوازن قوى لكن الأمور لم تصل إلى خواتيمها المتوقعة، بل على العكس، ازداد الوهن العربي وتحول نصف الانتصار ذلك إلى سراب ووهن وتفكك. والمظاهر هنا عديدة من غزو لبنان واحتلال بيروت عام 1982 وغزو واحتلال الكويت من النظام العراقي الصدامي وتداعيات تلك الحرب، إلى احتلال العراق وأفغانستان وتكريس الأمن المستورد وإضعاف النظام العربي أكثر ودق مسمار التمزق في الجسد العربي المريض. وهكذا تمتد اللائحة: مؤتمر مدريد وأوسلو وغزة وأريحا، وبقي الكثير من الكلام والقليل من الأفعال. كما تحول الفلسطينيون من حلم الدولة إلى واقع السلطة و"المختارية" ودخلوا في صراع الإخوة- الأعداء والتناحر والاقتتال بين المؤسسين "الفتحاويين" الذين أزيحوا برغبة شعبية عن السلطة و"الحمساويين" الشعبويين المحاصرين والمتهمين بالإرهاب، في إفلاس واضح لسياسة الاتفاقيات الأمنية والمعاهدات والاختراقات الإسرائيلية مع دول عربية لم تحقق الآمال المتوقعة. يتحدث الرئيس بوش و"كوندي رايس" عن شرق أوسط واسع وكبير وجديد. ثم تصحح رايس نظرتها الجديدة والمنقحة لمحيطنا وتفضل عليها توصيفاً جديداً، مستقبل الشرق الأوسط . وما الفرق بين كل تلك التوصيفات؟ أتت رايس إلى منطقة الشرق الأوسط، وتحدثت مع المعتدلين وسعت لحصار وإضعاف المتشددين من أمثال أحمدي نجاد والأسد والبشير وهنية، في إحياء لثقافة المحاور والتحالفات المرفوضة استراتجياً وشعبياً والتي رفضها وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعت معهم رايس، وطالبوها بالعكس أي العمل لحل القضية المركزية: الصراع العربي- الإسرائيلي في العامين المتبقيين لإدارة بوش المتخبطة بالعديد من المشاكل الإقليمية الشائكة. يبدو أن أميركا صرفت النظر عن سياستها التي بشر بها بوش من نشر الديمقراطية لاقتلاع الطغاة ووأد التطرف، لأن الحصيلة كانت وصول المتشددين وتهميش المعتدلين عبر صناديق الاقتراع. اليوم عادت أميركا لتفضل الاستقرار تحت مسمى الاعتدال على الديمقراطية في إكمال للدائرة والعودة إلى المربع الأول مجدداً. ثقافة وسياسة التحالفات الفاشلة والتي كانت رائجة أيام إيزنهاور في الخمسينيات أيام حلف بغداد و"السانتو"، أو أيام ريغان لقوى الاعتدال وقوى التطرف، لم تحقق الأهداف التي قامت من أجلها. ولكن الجديد هذه المرة هو أن قوى التطرف والممانعة كسبت جولة مهمة عقب حرب إسرائيل على لبنان على حساب الأمن والمشروع الأميركي. ودور رأس حربة لإيران من خلال تحديها وإحراجها للقوى الكبرى في إصرارها على حيازة الطاقة النووية لأغراض سلمية كما تدعي وتصر وصولاً لتحقيق أجندتها الكبيرة في الهيمنة الإقليمية على حساب الأمن القومي والجماعي العربي، في تجليات أخرى لقوة دول الجوار غير العربية وتحكمها في زمام أمور المنطقة وفرض أجندتها سواء كانت إسرائيل أو إيران أو حتى تركيا فيما نحن كعرب نبقى شاهداً مهمشاً غاضباً ومتحسراً. إن زحمة من الذكريات لمناسبات كحرب أكتوبر وخمسة أعوام من حرب أفغانستان "الحرب على الإرهاب"، وأربعة أعوام من حرب العراق وغيره،ا من المناسبات في شرق أوسطنا الكبير الجديد الواسع أو المستقبلي الذي على ما يبدو ينتظره الكثير من الأحداث العاصفة التي ستتحول مع السنوات القادمة إلى مناسبات لا نريد الاحتفال بمرورها وعودتها.