لأول مرة في تاريخ "البنتاجون" سمح وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد للجيش بالتواصل مباشرة مع مسؤولي إعداد الموازنة السنوية في البيت الأبيض لإقناعهم برفع مخصصات الجيش من الموارد المالية، وهي خطوة تفترق عن الخطط السابقة التي تبناها رامسفيلد ومساعدوه والقاضية بتخفيض الإنفاق على الجيش مقابل التركيز على تطوير التكنولوجيا الحديثة والطرق الجديدة لخوض الحروب. ويبدو أن الجيش بات متأكداً من حصوله على حصة كبيرة من الموازنة المخصصة لـ"البنتاجون" قبل مصادقة الكونجرس عليها نظراً لتقادم معدات الجيش نتيجة الحروب التي خاضها مؤخراً، وإرهاق القوات المنتشرة في كل من العراق وأفغانستان. وبحسب مسؤولين عسكريين وخبراء في "البنتاجون"، دأب الكونجرس منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 على الرفع من عدد قوات الجيش بـ30 ألف جندي كل سنة لتتحول إلى زيادة رسمية تتم الموافقة عليها من دون مشكلات. وإلى جانب ذلك يجري حالياً نقاش داخل الجيش حول ما إذا كان ضرورياً الزيادة في عدد القوات كما سبق أن دعا إلى ذلك الكونجرس نفسه، أم الحفاظ على مستوياتها الحالية. ورغم مواقف رامسفيلد المعروفة بخفض الإنفاق العسكري عموماً وتوجيهه إلى الوسائل الحديثة لشن الحروب، فإنه وافق هذه المرة على مطالب الجيش بالرفع من حصتهم السنوية من الموازنة العامة المخصصة لوزارة الدفاع الأميركية. ويعكس الموقف المهادن لرامسفيلد تجاه هذا الموضوع إدراكه لحقيقة ما يحتاجه الجيش من زيادة في عدد قواته، وموارد إضافية تمكنه من إصلاح المعدات المستخدمة حالياً في ساحات المعارك. هذا ولا يريد رامسفيلد فتح جبهة جديدة ضد المسؤولين في الجيش، أو مع بعض أعضاء الكونجرس المدافعين عنه، لاسيما في ظل انتقاد بعضهم لسياساته في العراق ومطالبتهم له بالتنحِّي من منصبه. ويبقى الجديد في الأمر هو طرح رامسفيلد أمام الجيش فرصة الدفاع عن موقفه مباشرة أمام مسؤولي إعداد الموازنة في البيت الأبيض، وهي المهمة التي عادة ما يقوم بها وزير الدفاع وموظفوه بدلاً من المسؤولين العسكريين أنفسهم. وقد وصلت الحكومة الفيدرالية في عملية إعداد الموازنة إلى مرحلة تقوم فيها الإدارات المختلفة بحصر حاجياتها ورفعها إلى مكتب الإدارة والموازنة داخل البيت الأبيض ليبت فيها قبل تحويلها إلى الكونجرس للمصادقة عليها. وصرح مسؤولون في "البنتاجون" بأن الجيش يسعى إلى الحصول على 138 مليار دولار في السنة المالية المقبلة مقارنة مع 112 مليار دولار حصل عليها في السنة الماضية. وأضاف المسؤولون في وزارة الدفاع أنه بعد هجمات 11 سبتمبر تبين أن الجيش ينقصه 50 مليار دولار من المعدات، فضلاً عما ستتطلبه الحرب في العراق وأفغانستان من مبالغ إضافية تقدر بـ17.1 مليار دولار خلال 2007 لإصلاح المعدات العسكرية واستبدال الدبابات التي تعطلت في الصحراء. ويتوقع الخبراء أن يصل الإنفاق على إصلاح المعدات سنة 2008 إلى 13 مليار دولار، ليستقر في نفس المستوى على امتداد الخمس سنوات المقبلة. وبينما استمرت المفاوضات بين وزارة الدفاع ومكتب الإدارة والموازنة لتحديد المخصصات المالية التي يحتاجها "البنتاجون" تجاوز الجيش، في خطوة غريبة، الموعد المحدد لتقديم طلباته بشأن الموارد التي يحتاجها لتضمينها في الحصة السنوية لوزارة الدفاع قبل تسليمها إلى مكتب الرئيس. وقد صرح في هذا السياق مسؤول بارز في وزارة الدفاع الأميركية قائلاً: "إنه فعلاً أمر غريب أن يتأخر الجيش في تسليم مطالبه المالية، لكننا نعيش في أوقات غير اعتيادية"، موضحاً أن المهمة التي أنيطت بالقوات المسلحة كانت أكبر من الاستراتيجية التي وضعها مسؤولو "البنتاجون" في البداية، وهي بذلك تحتاج إلى موارد إضافية. وأضاف المسؤول في "البنتاجون" ملخصاً المعضلة التي تواجهها وزارة الدفاع حالياً بقوله: "السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو هل نراجع استراتيجيتنا، أم نرفع موازنتنا". ولا يتوقع الخبراء أن يتمكن الجيش حتى في ظل هذه الموارد المالية من الوفاء بالتزاماته في العراق، وأفغانستان والاستعداد لحالات طوارئ في بلدان أخرى، كما أنه غير قادر على الوفاء بوعده للجنود بإعادتهم إلى الوطن لمدة سنتين بعد كل سنة من الخدمة في منطقة حرب. ويطالب بعض كبار ضباط الجيش بالرفع من عدد القوات المسلحة ليس فقط بـ30 ألفاً سنوياً، بل بـ60 إلى 80 ألفاً سنوياً، لاسيما في ظل التواجد الحالي للقوات الأميركية في العراق واحتمال استدعاء "الحرس الوطني" لسد الحاجيات. "ستيفن كوسياك"، خبير في موازنة الدفاع بمركز التقييم الاستراتيجي، وهو معهد مستقل يراقب سياسة الدفاع يؤكد في هذا الصدد أن التوقعات السابقة لحصة الجيش من موازنة الدفاع طيلة الفترة الممتدة إلى 2011 كانت تضعها في 25% من إجمالي الموازنة، وهي تقريباً نفس الحصة التي يحصل عليها الجيش منذ عدة عقود. لكن بإصراره على رفع مخصصاته المالية في السنة 2008 يؤكد الجيش على ضرورة رفده بالموارد الأساسية للتمكن من إنجاز مهامه في العراق وأفغانستان. وخلافاً لقوات البحرية وسلاح الجو اللذين شهدا تقليصاً في موازناتهما السنوية بسبب الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا المتطورة، وخفض عدد العاملين فيهما، ارتفعت الدعاوى في الآونة الأخيرة بالزيادة في عدد قوات المشاة نظراً لأهميتها القصوى في الحروب. فقد أثبت حرب العراق أنه بدون قوة برية ضاربة فإن الجيش الأميركي سيظل عاجزاً عن فرض الأمن وملاحقة الإرهابيين. ويبدو أن رامسفيلد الذي كان يتبنى رأياً مخالفاً في البداية أدرك مأزق القوات الأميركية في العراق ما دفعه لفتح المجال أمامها للمطالبة بموارد إضافية. توماس شانكر وديفيد كلاود ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عضوا هيئة التحرير في "نيويورك تايمز" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"