بينما يترنح إقليم دارفور على حافة المجازر، يسعى قادة العالم إلى تكثيف جهودهم الدبلوماسية بهدف إخراجه من أزمته الراهنة. فحكومة السودان ترفض بشكل قاطع نشر قوات أممية يصل قوامها إلى 20 ألف عنصر لإدراكها أنها ستكون أكثر فاعلية من قوات الاتحاد الأفريقي إذا ما تم الرفع من عديدها في دارفور التي قتل فيها 450 ألفاً من الأبرياء، وفر 2.5 مليون من بيوتهم. ومع ذلك مازال السودان يشن حملات عسكرية في دارفور بعد ثلاث سنوات من المفاوضات العقيمة والخطابات الجوفاء التي لم تؤدِّ إلى أي تحسن في الوضع الأمني. لذا فقد حان الوقت لتخطي مرحلة القرارات الصورية والمرور إلى نوع جديد من القرارات يعتمد على الفعل وليس الكلام. فهل سيستمر قادة العالم في السماح لمرتكبي الفظائع في دارفور برفض إرادة المجتمع الدولي؟ وحتى يحدث تغيير جوهري في المواقف الدولية لا يبدو أن قادة العالم سيوقفون العنف في دارفور. فقد اقترح رئيس الوزراء البريطاني توني بلير تشجيع الحكومة السودانية عن طريق التخفيف من ديونها المستحقة، وتقديم مساعدات اقتصادية لإقناعها بالموافقة على قدوم القوات الدولية لحفظ السلام. لكن من ناحيتها أبدت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس تشدداً أكبر، حيث هددت بالمواجهة مع السودان تماشياً مع خط الرئيس بوش الذي صرح قائلاً: "إذا لم ترضخ الحكومة السودانية للإرادة الدولية، فإنه على الأمم المتحدة أن تتحرك". ولفتح المجال أمام المفاوضات أوفد الرئيس بوش مبعوثه الخاص إلى دارفور "أندرو ناتسيوس"، الذي كان يشغل منصب مدير "الوكالة الأميركية للتطوير الدولي". لكن تعنت الحكومة السودانية لم يترك أية فرصة للحوار بعد رفضها القاطع لاستقبال قوات دولية فوق إقليم دارفور. ورغم الجهود الدبلوماسية المكثفة الرامية إلى حلحلة الأزمة تضيع الحقيقة المتمثلة أولاً في فشل اتفاق السلام في دارفور الذي رعته الولايات المتحدة، وثانياً عجز حكومة السودان عن الوفاء بوعودها للمجتمع الدولي ووقف أعمال العنف في الإقليم. والحقيق الثالثة هي أنه من غير المرجح أن تضغط الصين على السودان لحمله على الامتثال للإرادة الدولية، خاصة وهي تستورد 7% من نفطها من السودان. يضاف إلى ذلك حقيقة أخيرة مؤداها أن الوقت قد فات على فرض عقوبات حتى ولو وافقت الصين بمعجزة من المعجزات على ذلك. فتطبيق العقوبات يتطلب شهوراً عديدة تكون السودان خلالها قد أكملت الموجة الثانية من المجازر في إقليم دارفور. وبالرجوع إلى التاريخ نجد أن الخرطوم لا تفهم سوى لغة التهديد باستخدام القوة، حيث انصاعت السودان إلى التحذير الذي أطلقه جورج بوش عقب هجمات 11 سبتمبر إلى الدول التي تؤوي الإرهاب بعدما تذكرت الضربة الجوية الأميركية لسنة 1998 فبادرت إلى التعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. لذا يتعين على واشنطن، بعد استنفاد طريق المفاوضات، إعطاء السودان مهلة محددة إما بقبول غير مشروط لنشر قوات حفظ السلام الأممية في غضون أسبوع واحد، أو مواجهة النتائج العسكرية. وسيسمح صدور قرار أممي عن الدول الأعضاء في مجلس الأمن بالسهر على تطبيق القرار مع الاستمرار في الضغط العسكري على الخرطوم. وفي هذا الإطار يمكن أن تقوم الولايات المتحدة إلى جانب حلف شمال الأطلسي وبدعم سياسي أفريقي بضرب أهداف عسكرية سودانية، كما يمكنها فرض حصار على بورسودان لمنع صادراتها من النفط، ثم يتم أخيراً نشر القوات الأممية في إقليم دارفور حتى ولو استدعى الأمر استخدام القوة. وحتى إذا ما فشلت الولايات المتحدة في الحصول على قرار من الأمم المتحدة، فإن عليها أن تتحرك على غرار ما قامت به في كوسوفو سنة 1999 لمواجهة أزمة إنسانية طاحنة في البلقان. ورغم أن البيئة الدولية الحالية غير مشجعة على التأييد السياسي للولايات المتحدة بعد الحرب على العراق، فإنه لا يمكن أبداً البقاء مكتوفي الأيدي بينما سكان دارفور يعانون من القتل والتهجير. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سوزان رايس: مساعد سابق لوزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية أنطوني ليك: مستشار الأمن القومي في الفترة بين 1993 و1997 دونالد بين: عضو ديمقراطي في الكونجرس الأميركي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"