من المعروف أن الإعلام بوسائله وأدواته وأنشطته المختلفة يمثل مرآة المجتمع، ويعكس بصدق ومصداقية حقيقة ما يواجهه من مشكلات، وفي الوقت نفسه فإن الإعلام جزء لا يتجزأ من طبيعة وظروف مجتمعه، يرتبط بتقدمه أو تراجعه أو تخلفه، لذلك نجد أن الإعلام العربي؛ خاصة المرئي منه، يمثل نموذجاً مثالياً للحال الذي وصل إليه المجتمع العربي من ضعف ووهن وتراجع وتأزم في كل مناحي الحياة، فهو جزء أساسي من نسيج العمل العربي، فلماذا يشذ عنه؟ لذلك جاءت الصورة الإعلامية في رمضان لتعبر بكل الصدق عن مدى التردي الذي أصاب أوصال برامج الإعلام المرئي، وإذا كان البعض في عالمنا العربي يتشدق دائماً بأن الإعلام "رسالة"، فأعتقد أن الرسالة التي وصلت إلى المشاهد كانت خاوية من المضمون وتفتقد الطريق وضعيفة الحبكة، وتركز فقط على إشغال الوقت، وكانت سماتها المشتركة هي ضبابية الرؤية تجاه مختلف هموم المجتمع العربي عامة والخليجي على وجه الخصوص. ونظرة عابرة على هذه "الحملة العسكرية الإعلامية" الشرسة والحشد الهائل لـ"مقاتلي" مسلسلات رمضان، تتيح للمشاهد الفرصة لأن يكتشف بنفسه مدى "عمق" الرسالة التي تحملها "الفضائحيات" العربية دون استثناء، من تردٍ في الأخلاق وتراجع في القيم وانتشار الجهل بالقضايا التي تهم المشاهد. أما إذا أراد بعضهم أن يتذرع بأن هدف "الضربة الإعلامية السنوية" و"زحف مجاهدي الإعلام" في رمضان هو تسلية المشاهدين والترويح عنهم، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هو: لماذا تكون التسلية على حساب الهروب من مسؤولياتنا، والتنكر لقضايانا المصيرية، وسطحية ما يتم عرضه في ظل ضعف البناء وطرح الحلول غير المنطقية؟ ومن المفارقات أنه في الوقت الذي نجد فيه إعلامنا المرئي عاجزاً عن صوغ برامج إعلامية لتوجيه الرأي العام العربي تجاه همومه والموضوعات الحيوية التي تهدد أمنه القومي، فإنه يحسن التحضير بكل همة ونشاط وعمل "استباقي" لمواجهة "معارك" شهر رمضان التي تدور بلا هوادة بين "الفضائحيات" العربية. وإذا كنا نملك القدرة على ترجمة أحلامنا الترفيهية والمسلية إلى واقع، ولدينا البذخ المادي والعملي والمعنوي لطرحها في خلطة درامية مأساوية فكاهية، فلماذا لا نستطيع أن نقوم بذلك في موضوعاتنا وقضايانا الأخرى الأكثر أهمية؟ سؤال ربما لا نستطيع أن نحصل على إجابة عنه، لانشغال المسؤولين الإعلاميين بمائدة رمضان الفنية، وسعيهم الحثيث لحشوها بكل ما لذ وطاب من أشكال الفنون المعروفة وغير المعروفة، قديمها وجديدها، لسد شهية المشاهد، وإصابته بـ"تخمة إعلامية" تشغله عن هموم مجتمعه ووطنه. وحتى يمكننا الخروج بشيء من هذه "الضربة الإعلامية"، وتقديراً لنجاح جهود القائمين على إعداد هذه المسلسلات في إشغال المشاهدين، سنحاول أن نفهم ما قد تخفيه بعض المسلسلات في "ثنايا" موضوعاتها من إسقاط على الحال العربي، وما تناقشه في "الخلفية" من قضايا ذات مغزى قد تتعرض بطريقة غير مباشرة للمعاناة العربية في شتى المجالات، وربما لا يكون ذلك هو قصد المؤلف أو المخرج أو منتج العمل، ولكننا نعتمد على فراسة المشاهد وذكائه في فهم المغزى من القصة وما تطرحه من إسقاطات. تعبر بعض عناوين المسلسلات بكل دقة عن بعض الهموم الخليجية، ومعاناة مجتمعاتها، أما المضمون فربما يعبر عنها بطريقة غير مباشرة ومن دون قصد أحد من مسؤوليها، ومن هذه المسلسلات نجد: * مسلسل "آن الأوان"، ومن عنوانه نجد أنه قد آن الأوان لأن تقوم الحكومات الخليجية بوضع خطة استراتيجية متكاملة وشاملة للتوطين، تستطيع تجسير الفجوة بين متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم، وتدفع القطاع الخاص إلى الالتزام بخطط التوطين، وفي الوقت نفسه تعمل على نشر ثقافة العمل بين المواطنين، وتعريفهم بمسؤوليتهم الوطنية في تحمل شرف النهوض بمجتمعاتهم وبدورهم في تطويرها، والاهتمام بالعقول وتشجيع الكفاءات، خاصة أن المسلسل يركز على إنقاذ الموهوبين ومساندتهم للحصول على حقهم ومنع استغلالهم. * ومسلسل "جنون المال"، يعبر بكل صدق عن الجنون الذي يصيب المواطنين في الاستدانة من البنوك؛ والتورط في قضايا عدم السداد، لا لشيء سوى إرضاء "ثقافة المظاهر والمنظرة"، في الوقت الذي لم يتوصل فيه أحد من المسؤولين أو الأطباء حتى الآن إلى علاج ناجع لهذا النوع من الجنون، والذي أصبح وباء يجتاح المجتمعات الخليجية ويؤثر في مستقبل أسواق الأسهم في ظل ندرة "العيادات" المالية و"مستشفيات" التمويل، التي تستطيع الحد من انتشاره. * في حين أن مسلسل "ماكو فكة" ربما يكون العلاج المناسب لمسلسل "جنون المال"، حيث تتحمل البنوك مسؤوليتها ولا تفتح الباب على مصراعيه وتسعى فقط للحصول على الفائدة دون النظر إلى قدرة العميل على السداد، وأن تضع ضوابط تضمن عدم تورط العميل في قرض يدفعه إلى السجن، عن طريق طرح سياسة للقروض استراتيجيتها "ماكو فكة". وإذا كان المسلسل يعالج العلاقة بين الزمن والإنسان وحالة فقدان الوعي، فإن استمرار مسلسل "جنون المال" سيقود في النهاية إلى انتشار مسلسل "ماكو فكة". * وبالنسبة إلى مسلسل "أولاد الشوارع"، فإنه يعبر بكل صدق عن ظاهرة العمالة الهاربة من كفلائها أو العمالة غير الشرعية، والتي تمثل قنبلة موقوتة إذا لم يتم وضع علاج حاسم لها يأخذ في الاعتبار الأبعاد الأمنية والاجتماعية والسياسية لهذه الظاهرة، فعندما يهيم الإنسان على وجهه دون سند مادي أو قانوني للبحث عن لقمة العيش تصعب السيطرة على أفعاله وتصرفاته، فهو على استعداد لعمل أي شيء، وكذلك حال البطالة، فالشباب العاطل عن العمل صيد ثمين لنشاطين لا ثالث لهما، فإما الانحراف وإما التطرف والعنف. * ومسلسل "الاختيار الصعب" هو موقف معظم الحكومات العربية التي تجد أن عليها الاختيار الصعب بين الإصرار على تحقيق مصالحها الخاصة والالتصاق بالمنصب والتمسك بالكرسي، وتفضيل المصلحة العامة للمجتمع والشعب والدولة. إنه الاختيار الصعب بين الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والخوف من التغيير، وفي الوقت ذاته هو اختيار بين "توريث" الأبناء، والاستمرار في السلطة إلى يوم يبعثون. * ومسلسل "نجمة الخليج"، من المؤكد أن هذا المسلسل ينطبق على إيران، فقد أصبحت نجمة الخليج ببرنامجها النووي، وسعيها لإقامة الإمبراطورية الشيعية العظمى في الشرق الأوسط، وتصدرت نشرات الأخبار وأصبحت الموضوع الثابت على جدول الأعمال الدولي، بينما دول الخليج العربية تقف على الحياد أو تحتل مقاعد المشاهدين. * بينما مسلسل "دعاة على أبواب جهنم" يتحدث عن النكبة التي أصابت المسلمين، بعد أن نجح دعاة جهنم في استغلال الظروف الاجتماعية والمعيشية لبعض الشباب ضعفاء الإيمان، الذين يفتقرون إلى الفهم الصحيح للإسلام، لاستقطابهم ودفعهم إلى أتون العمل الإرهابي تحت زعم الجهاد في سبيل الله، والله منهم براء، لأن قتل الأبرياء العزل لا يندرج في إطار الجهاد بل يقود إلى جهنم. لذلك فقد "آن الأوان" لمواجهة "جنون المال" والقضاء على "أولاد الشوارع" من خلال "الاختيار الصعب" حتى لا يصبح الشباب "دعاة على أبواب جهنم"... ومبروك عليكم الشهر.