حبذا لو فتح بعض مَنْ يُعتبرون متنوّرين أفئدتهم وعقولهم على واقعة الحكم القضائي الذي أصدرته محكمة سعودية بفسخ عقد زواج استناداً إلى عدم كفاءة نسب الزوج مع نسب زوجته، فالزوج لا ينتمي إلى قبيلة معينة كما هو حال الزوجة. وقد تعرّض بعض الكتاب لهذا الموضوع على صفحات "وجهات نظر" موضحين الفرق بين الدين والفكر الديني وأن أحدهما لا يعكس دائماً الآخر تماماً. مشكلة بعض المتنوّرين أنهم لم ينتبهوا بعد إلى الفرق بين كتاب الله وبين مَنْ يحكم باسم كتاب الله، أياً يكن هذا الذي يحكم، وبين قواعد الإسلام ومقاصده وبين اكتشافات بعض الفقهاء، بغض النظر عن شهرة هذا الفقيه وعِلم ذلك العالِم، بل بين سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعال بعض مَنْ عاصروه، حتى لو رُفع هؤلاء إلى مرتبة ما دون الأنبياء المعصومين وفوق البشر الخطّائين. فيخلطون بين هذا وذاك، ويحمّلون الإسلام وزر اجتهادات بعض علمائه أو مَنْ رفعهم السلاطين إلى مرتبة العلماء لحاجة في نفوسهم، ومن خلال أفعال بعض المتقدمين وأقوال بعض المتأخرين، يلومون الإسلام هنا وهناك. حقيقة هذا مسلك عجيب لأساتذة التنوير ودكاترة العقل لأنه يفترض فيهم أن يكونوا أكثر اطلاعاً وثقافةً، خاصة نفر منهم ممن تصدّوا للموضوعات الإسلامية بل وممن يحملون الدكتوراه في الفكر الإسلامي بمختلف تفرّعاته. حين تقرأ لهؤلاء تستغرب من كيفية إدخالهم شعبان في رمضان، تارةً لأن صحابياً فعل كذا، كأنّ الإسلام يتجسّد في صحابي واحد دون عموم الصحابة، وحيناً لأن فقيهاً قال كذا، ومتى كان المعمّمون حجّة على دين الله؟ فحتى لو اتفق الناس على أن فعل الصحابي حجّة وقول العالِم هو الفيصل، فمثل هذا الاتفاق يجب ألا يضيّع بوصلة الدكاترة والمفكّرين، كيف يفعلون ذلك وهم يرون بأم أعينهم أن الماركسيين ضربوا أقوال أستاذهم "ماركس" عرض الجدار ونبذوه وراء ظهورهم وفعلوا عكس ما دعا إليه في أكثر الأنظمة ماركسية؟ فمثلاً يقول أحد هؤلاء المتنورين إن حرية الاعتقاد ليست مصونة في الإسلام، ورغم أنه يورد الآية الدالة على حرية الاعتقاد، فإنه يقول إن حديث "مَنْ بدّل دينه فاقتلوه"، قد "تجاوز النص القرآني" وثبته بالتطبيق النبوي وقد تضمنته كتب الفقه من خلال أحكام الردّة. فأما الحديث، فلا يمكن اعتباره حجّة على القرآن الكريم، لاسيما حديث الآحاد، ومثله كتب الفقهاء، فهم بشر يصيبون ويخطئون. أما القول بأن التطبيق النبوي تجاوز النص القرآني في مسألة حرية الاعتقاد، فوفقاً لما يراه الكاتب خالص جلبي، فإن "الرسول لم يقتل أحداً لأنه كفر بل للجريمة، والستة الذين استباح دمهم فقال اقتلوهم ولو تعلّقوا بأستار الكعبة، وعاد فعفا عن نصفهم، كان للجرائم التي ارتكبوها أكثر من عقائدهم التي حملوها". واقعة الحكم "الشرعي" المذكور يجب ألا تمرّ على المتنوّرين (أكثر من اللازم) مر السحاب، فهذا الحكم غيض من فيض جنايات بعض الفقهاء على الإسلام، وحريّ بأولئك المتنوّرين أن يكونوا أكثر تنوّراً.