بعد أربع سنوات من الصخب والتقدم التدريجي، وصلت كوريا الشمالية في خاتمة المطاف إلى خط النهاية النووي. ويوم الثلاثاء الماضي أفصحت هذه الدولة عن نيتها عبور هذا الخط. وفي كل نقطة من النقاط على امتداد الطريق كانت بيونج يانج تفصح عن نواياها بأسلوب مقتضب. ففي البداية أعلنت أنها ستنسحب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وأنها ستعيد معالجة البلوتونيوم ثم أعلنت عن أنها تمتلك "قوة رادعة" بالفعل، وها هي تعلن الآن عن أنها ستجري تجربة نووية. وبهذه الطريقة تمكنت بيونج يانج من قياس عزم من يريدون إيقافها وانتزعت مكافآت اقتصادية لمجرد ظهورها عند طاولة المفاوضات مع قيامها في الوقت نفسه بإرغام العالم على التكيف مع فكرة أنها إما تحولت بالفعل أو أنها ستتحول إلى عضو في النادي النووي. وبناء على معرفتنا بالكوريين الشماليين، فإن المتوقع هو ألا تقوم بيونج يانج بإجراء تلك الاختبارات فوراً بل ستنتظر لترى ما هي التنازلات التي يمكن انتزاعها. وما لم تواجه باستجابة أقوى وأكثر توحيداً من الاستجابة التي خبرتها حتى الآن، فإن المتوقع هو أن تقوم "بيونج يانج" بالمضي قدماً نحو تنفيذ تهديدها الأخير. ففي الموضوع النووي، على الأقل، اثبت "كيم يونج إيل" أنه رجل يلتزم بكلمته. ولكن ما هو التأثير الذي سيترتب على تنفيذ كوريا الشمالية لاختبار نووي ناجح؟ قد يتبين أن النتيجة التي يمكن أن تسفر عن ذلك أسوأ بكثير مما يتخيل معظم المراقبين. بالنسبة للرئيس الكوري الشمالي سيكون ذلك بمثابة نصر شخصي ومجد يتوج مشروع الأبحاث النووية الذي مضى عليه الآن قرابة عشرين عاماً وتم تنفيذه بموجب توجيهاته والذي سيضعه في نهاية المطاف على قدم المساواة مع والده الزعيم الخالد الذكر ويضمن لسلالة "كيم" حكم البلاد لعقود قادمة. ليس هذا فحسب بل سيزيد إيمانه بعبقريته الاستراتيجية الفذة، ويضعه في موضع أفضل لردع التهديدات الخارجية وتأمين الولاء المستمر من أتباعه سواء في الخدمة المدنية أو القوات المسلحة. وقد لا يقتصر الأمر على ذلك فقد يغريه هذا النجاح بإطلاق العنان لميله الغريزي للمخاطرة ولعادته في الحصول على الطعام والوقود والنقود من جيرانه عن طريق الابتزاز. وهكذا فإن الأسلحة النووية بدلاً من أن تجعله أكثر إحساساً بالأمان، وبالتالي أسهل في التعامل معه يمكن أن تجعله أكثر عدوانية وأشد خطورة، وتوابع الزلزال النووي الكوري الشمالي ستدوي أصداؤها في كوريا الجنوبية ويمكن أن تهز مجتمعها واقتصادها ونظامها السياسي من أسسها. وقد يدفع ذلك الرئيس الكوري الجنوبي "رو مو هيان" إلى اتهام "إيل" باتباع سياسات فاشلة أدت إلى ارتهان شعبه لعبودية دائمة وعرضت الجنوب لابتزاز لا ينتهي ويتصاعد باستمرار. وفي المقابل سيقوم المدافعون عن "رو مو هيان" بتوجيه اللوم للولايات المتحدة لاستفزازها "بيونج يانج" وحثها على مضاعفة مساعداتها الاقتصادية واسترضائها الدبلوماسي لتلك العاصمة. أما في أميركا فستثار أسئلة حادة حول الحكمة من الاستمرار في نشر عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين للدفاع عن دولة تقوم بتقديم الدعم لكوريا الشمالية المعادية لها من خلال المساعدات والتجارة وربما يدفعها ذلك إلى إعادة تقييم التحالف الأميركي- الكوري الجنوبي. أما في اليابان، فإن إعلان كوريا الشمالية سيدفع رئيس الوزراء الجديد "شينزو آبي" إلى حث الخطى نحو شطب الفقرات الموجودة في الدستور والتي تنص على اتباع مبدأ السلمية في السياسة الخارجية لبلاده والسعي بدلاً من ذلك إلى توسيع نطاق قدراتها العسكرية. ومع قيام "كيم يونج إيل" بالتلويح بالأسلحة النووية، فإن "آبي" ربما يخشى أن تفسر أي خطوات تصالحيه من جانبه على أنها علامة ضعف، لذلك فإن الاحتمال الأقل ترجيحاً بكثير هو أن يصغي لنصائح هؤلاء الذين يحثونه على تقديم تنازلات فيما يتعلق بالاعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها اليابان في الحرب العالمية الثانية، وأن يقوم بدلاً من ذلك بتبني موقف عسكري أكثر صلابة، بل ويمكن أن يتوجه باللوم لبكين لعدم قيامها بكبح جماح الحليف الكوري الشمالي، كما أن أي احتمال بتكوين علاقات أكثر حرارة مع الصين سيتبخر سريعاً. أما بالنسبة للصين، فإنها لو فشلت في إقناع بيونج يانج بعدم عبور العتبة النووية فإن ذلك سيثير شكوكاً في واشنطن حول الحد الذي أصبحت به الصين "مساهماً مسؤولاً" في النظام العالمي وهو ما يمكن أن يقود بدوره إلى جعل سياسة الولايات المتحدة مع الصين أكثر تصادمية. في النهاية، فإن الاختبار النووي الكوري الشمالي سيشكل هزيمة لإدارة بوش التي أعلنت مراراً وتكراراً أنها لن تقبل بوجود كوريا شمالية مسلحة نووياً، مما سيؤدي إلى إضعاف مصداقيتها، وإلى توجيه ضربة ساحقة لنظام حظر الانتشار النووي. وربما يشجع ذلك إيران على المضي قدماً في تعظيم قدراتها النووية، ويؤدي إلى إضعاف عزم واشنطن على استخدام أي وسيلة لإيقافه. الاختبار النووي الكوري الشمالي سيؤدي إلى الإضرار بالمصالح الوطنية لكل القوى الكبرى في شمال شرق آسيا وهو ما لن يجعل أمام تلك القوى من سبيل سوى توحيد صفوفها، وتطبيق وسائل الضغط الدبلوماسية والاقتصادية المنسقة، التي توفر آخر أفضل أمل للتوصل لحل مرضي وسلمي للأزمة الحالية. آيرون ال. فريدبيرج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذ بكلية الشؤون الدولية والعامة بكلية "وودرو ويلسون" بجامعة برنستون ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"