تناقلت وسائل الإعلام بكثير من الاهتمام تصريحات رئيس هيئة أسواق الأسهم الإماراتية، التي أكد فيها أن هذه الأسواق تسير على المسار الصحيح، وأن حركة الأسعار الحالية تعبّر عن نوع من "التعقّل". وهذه التصريحات تناقض تماماً استمرار ما يصفه معظم المحللين بـ"العشوائية" التي تسود تعاملات السوق طوال الفترة الماضية. إن هذه الإشارات المتقاطعة تماماً تفقد الجميع القدرة على تحديد اتجاه للسوق خلال المرحلة المقبلة. فما بين متفائل يرى عودة قوية لأسواق الأسهم قبل نهاية العام، ومتشائم يرى أن السوق تمر بأزمة طويلة الأجل يصعب التنبؤ بنهايتها، هناك في الوسط بين هذين النقيضين من يرجِّح كفّة الأمل في تعافي السوق ولكن بشكل متدرّج وبطيء. في خضم هذه التيارات المتناقضة تماماً يفقد المستثمرون باستمرار ثقتهم في الدراسات التحليلية التي تصدرها الشركات المتخصِّصة حول اتجاهات الأسهم المحلية وقيمها العادلة بناء على قراءة مستقبلية للنمو المتوقع في أرباح الشركات، الأمر الذي دفع بدوره سوق الأسهم نحو التحرّك في فراغ تام على صعيد الأبحاث والدراسات، التي لا تخلو هي الأخرى من تناقضات يلغي بعضها بعضاً، فضلاً عن أن الجهات المصدّرة لهذه الدراسات ليست مستقلة، بل هي في الغالب شركات استثمار لديها محافظ وصناديق للأسهم المحلية، ويصعب بالتالي أن يقتنع جمهور المستثمرين بأنها تجري تحليلاتها بعيداً عن مصالحها في التأثير في الأسعار. كل ذلك دفع ما يزيد على 75% من المستثمرين والمتعاملين في الأسهم للاعتماد على وسائل الإعلام والمنتديات الإلكترونية مصدراً رئيسياً لمعلوماتهم حول حركة الأسواق وتحليلها، إلا أن المنتديات والإعلام بمختلف مشاربه يقدّم صوراً أكثر تناقضاً وتضليلاً، إذ إن هناك من يعتبرها منابر للمضاربين تهدف إلى إيجاد طلب مصطنع والترويج لأسهم محدّدة. إن التناقض بشأن اتجاهات أسواق الأسهم المحلية لا يتوقف عند القراءات المستقبلية فحسب، إذ إن ذلك يبدو مقبولاً إلى حدّ ما، في مقابل تناقضات أكثر حدّة مرّت بها هذه الأسواق خلال الفترة منذ بداية العام الماضي، عندما شهدت تحوّلات قياسية، ارتفعت خلالها أسعار الأسهم بنسبة ثلاثة أضعاف، وهو أكبر معدل للنمو في العالم العربي خلال العام الماضي، ما جعلها ثاني أكبر سوق عربية من حيث الحجم، ولكنها سرعان ما أخذت في الانحدار صوب القاع ولكن بصورة أكثر حدّة، حيث جاء في نشرة "بيزنس مونيتور إنترناشونال" أن أسواق الأسهم في دولة الإمارات، كانت الأسوأ أداء من بين جميع أسواق الأسهم في العالم خلال النصف الأول من هذا العام، بعد أن خسرت سوق أبوظبي للأوراق المالية ما يزيد على 31% من قيمتها، بينما فقدت سوق دبي المالية أكثر من 54% من قيمتها، خلال هذه الفترة. وهكذا بدأت سوق الأسهم المحلية بالمبالغات وانتهت بغياب الثقة، بينما لا يوجد حتى الآن من المؤشرات ما يمكن توظيفه في قراءة مستقبلية دقيقة لاتجاهات السوق خلال المرحلة المقبلة، باستثناء بعض متغيّرات الاقتصاد الكلّي، والتي لم تسهم طوال الشهور الماضية في وقف تدهور أحوال سوق للأسهم يعتمد المتعاملون فيه على قوة دفع العوامل النفسية أكثر من اعتمادهم على البحث والتحليل والتقييم الموضوعي. إلا أن ذلك لا يمنع من القول إن تعافي السوق مرتبط بسلوكيات المضاربين الذين يسيطرون على أكثر من 90% من تداولات السوق ويركزون تداولاتهم على أسهم عدد محدود جداً من الشركات. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.