كتبت أكثر من مرة منتقداً، أو في أحسن الأحوال معبراً عن استغرابي لبعض توجهات السياسة الخارجية القطرية، لكني لم أخفِ بعضاً من الإعجاب بالجدل الذي تثيره هذه السياسة أحياناً. الكتابة عن قطر ممتدحاً، تغيظ المرتزقة، والكتابة عن قطر منتقداً، تجرح الحيادية، هذه هي الحقيقة، من الصعب أن تكتب عن قطر هذه الأيام دون أن يبحث المراقب في زوايا كتاباتك عن موقف مع هذا الطرف أو ذاك، ومن المؤلم والمحزن أن تتجنب الكتابة عن قطر في صحيفة خليجية أو سعودية حتى لا يُفسر رأيك اصطفافاً. لم يعُد الخلاف القطري- السعودي خافياً على أحد، ولم يعُد من المقبول السكوت بين أوساط المثقفين الخليجيين، لأنه يحد من الموضوعية، ويوقف النقاش الموضوعي حوله. جاء تصويت قطر في الأمم المتحدة للمرشح الكوري على غير ما اشتهت الأردن بالتصويت لمرشحها الأمير زيد بن رعد في منصب الأمين العام. لم تكن حظوظ المرشح الأردني قوية بالمرة، ولم يكن الصوت القطري حاسماً في مسألة خلافة كوفي عنان. منصب الأمين العام منصب فخري لا يعني حصول مرشح عربي عليه تحويل الأمم المتحدة إلى منبر عربي للدفاع عن القضايا العربية، فالأمم المتحدة يحكمها نظام أساسي تلتزم به الدول، صحيح أن للقوة تأثيرها، ولكن وراء الكواليس، فليس في مقدور الأمم المتحدة أن تخرق قوانينها بأمينها العام محاباة لهذا الطرف أو تأييداً لذاك على حساب نظامها الأساسي. وليس من المعقول الاعتقاد بأن منصب الأمين العام مفتاح لحل قضايانا وعصا سحرية لعدالة المجتمع الدولي. فكلنا يتذكر أن عربياً سبق كوفي عنان هو بطرس غالي قد شغل هذا المنصب وبقيت الأمور على ما هي عليه، والمنظمة على ما هي عليه... إذن المسألة ليست في تعريب المنصب، وليست في "تكويره" (نسبة إلى كوريا). لا بل إن الأمين العام المحايد -أي غير العربي وغير اليهودي- قد يكون أكثر إنصافاً وحيادية من العربي نفسه الذي سيترجم المجتمع الدولي مواقفه على أساس عروبته، وبالتالي قد يكون من الأفضل للقضايا العربية أن يتبناها من ليس منا إن كان مُنصفاً، وإن كنا وراء ترشيحه من الأساس. قطر قالت على لسان وزير خارجيتها إنها التزمت مع كوريا وأعطتها وعداً بالتصويت لصالح مرشحها قبل أن يطرح الأردن مرشحه، ووفت بوعدها وهذا يسجل لها لا عليها، وجاء هذا التأكيد على لسان وزير الخارجية البحريني الذي أكد الالتزام القطري المسبق والذي لم يُنكره الأردن رسمياً. المصالح القطرية فرضت على قطر تأييدها لكوريا الجنوبية -عاشر قوة اقتصادية في العالم- والتي تتجاوز أرقام التجارة البينية بينها وبين قطر أضعاف ما هي عليه بين الأردن وبين قطر. فجأة اكتشف بعض المرتزقة -وأنا هنا أقصد المرتزقة فقط لا أقصد من يختلف مع رأيي هذا- أن قطر هي السبب في عدم التضامن العربي، وأن السياسة الخارجية القطرية -التي كتبتُ ولا أزال أكثر من مرة منتقداً إياها- هي العلة في عدم التوافق العربي من القضايا العالمية... فهل موقفنا من الصراع العربي- الإسرائيلي واحد؟ وهل موقفنا من حرب لبنان الأخيرة واحد؟ وهل موقفنا من الصحراء الغربية ودارفور والعراق والمفاعل النووي الإيراني مُوحد؟ وما هو موقفنا من الصومال وأفغانستان وغيرها.. وغيرها. وهنا تجنٍّ على الحقيقة والواقع، وليس تجنياً على قطر: موقفنا من الصراع العربي- الإسرائيلي متفرق، فبيننا من يعترف بإسرائيل ويقيم العلاقات معها مثل الأردن وقطر، وبيننا من يرفض الاعتراف بإسرائيل. وموقفنا من حرب لبنان الأخيرة مشتَّت، وكذا مواقفنا من العراق بل وحتى من الصراع الكوري- الكوري نفسه.