"لن نتفاوض مع الإرهابيين" موقفٌ يستند إلى فكرة واضحة وبسيطة، وتتمثل في أنك إذا أذعنت لمطالب شخص تحت تهديد السلاح، فعليك أن تتوقع المزيد من الأسلحة المصوبة نحوك لاحقاً. ولكن يبدو أن هذا الدرس قد غاب للأسف عن أذهان الكثيرين في أوغندا، التي قد يحصل فيها زعماء مليشيا "جيش الرب" المتمردون، وأصحاب الممارسات الوحشية، على الحصانة من المحكمة الجنائية الدولية قريباً عن طريق التهديد بالمزيد من أعمال العنف ضد المدنيين. وقد حصدت الفظاعات المرتكبة من قبل "جيش الرب" في شمال أوغندا، والتي طالما أُهملت من قبل المجتمع الدولي، أرواح أزيد من 12000 شخص طيلة عقد من أعمال العنف التي تسببت إضافة إلى ذلك في نزوح نحو مليوني شخص من ديارهم. ونتيجة لذلك، كان "جيش الرب"، الذي صنفته الولايات المتحدة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية عام 2001، محط إدانة وتنديد عالميين لقيامه بتجنيد الأطفال بالقوة، وهجماته المتوحشة على المدنيين، وخطف الأطفال والفتيات. وقد اتخذ هذا التنديدُ شكلاً ملموساً في 2005 بعدما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال في حق زعيم "جيش الرب" جوزيف كوني وأربعة من كبار أعوانه بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. أما رد كوني، فقد كان براغماتياً؛ حيث التزم ونوابه في غضون أشهر بمحادثات سلام مع الحكومة الأوغندية، معربين عن رغبتهم في إنهاء التمرد. وقد رأى العديد من الأوغنديين في ذلك بارقة أمل في عودة السلام، غير أن التقدم كان بطيئاً جداً. وقد تمحورت المفاوضات حول دور المحكمة الجنائية الدولية، وكان موقف "جيش الرب" واضحاً: "تراجعوا عن توجيه التهم، وإلا فإن العنف سيستمر". يصف بعض المراقبين هذا الوضع المحير بـ"السلام مقابل العدالة"، حيث تقف رغبة الشعب الأوغندي الأكيدة في وضع حد لحركة التمرد القاتل على إحدى كفتي الميزان، وعلى الكفة الأخرى يقف تصميم المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة مجرمي الحرب. غير أنه في خضم هذا الجدل، يتم تجاهل تكتيكات "جيش الرب"، إذ يُهدد كوني ورفاقه بالمزيد من أعمال العنف بغية إنقاذ أنفسهم من المحاكمة. الأكيد أن من شأن منح كوني وأعوانه العفو التعجيل بحل مشكلة "جيش الرب". غير أن رغبة "جيش الرب" في اللجوء إلى العنف، حتى وإن تعهد بوضع حد للاقتتال، إنما تكشف عن زيف وعوده بخصوص السلام. ثم إن الرجل الثاني في "جيش الرب" فينسانت أوتي قال مؤخراً إنه لن يطلق سراح عشرات النساء والأطفال الذين اختطفتهم مجموعته. ولئن كان الضحايا يستطيعون أن يشهدوا على ذلك، فيمكن القول إن "جيش الرب" نموذجٌ للإرهاب العبثي، ذلك أن حربه ضد المدنيين في شمال أوغندا لا تحركها إيديولوجيا أو هدف سياسي. أما ورقة المقايضة الوحيدة التي يمتلكها كوني وأعوانه، فهي استعدادهم للعودة للعنف. للأسف أنه كثيراً ما نجحت هذه التكتيكات في أوغندا. فعندما حكم عيدي أمين وتيتو أوكيلي البلاد بقوة السلاح مثلاً، تجاهل المجتمع الدولي عموماً جرائمهما. واليوم، أعلنت الحكومة الأوغندية أنها ستعمل على حماية زعماء "جيش التحرير" من التوقيف في حال التزموا بالسلام. وفي غضون ذلك، حث المسؤول الإنساني بالأمم المتحدة جون إيجلاند مجلس الأمن الدولي مؤخراً على دعم عملية السلام، مشيراً إلى أنه يعتقد أنه ينبغي تفادي محاكمة دولية لزعماء "جيش الرب". الواقع أنه في حال نجحت محاولة كوني في نيل الحصانة التي ينشدها، فإن عواقب ذلك ستكون وخيمة. ذلك أن أمراء الحرب سيكتسبون الثقة في أنه إذا كانت حركات التمرد المسلح قد فشلت، فيمكنهم اللجوء إلى الأعمال الوحشية لإملاء شروط استسلامهم. كما أن الأوغنديين سيفقدون الأمل في إمكانية أن تتخلص بلادهم من أعمال العنف. وبالتالي، فإن الإرهاب سيتزايد ويتقوى. أما البديل، فواضحٌ وجلي، إذ يجب على المجتمع الدولي أن يطالب بخضوع الأشخاص الخمسة الذين أدانتهم المحكمة الجنائية الدولية لحكم القانون الدولي. ولئن كان من المؤكد أن الطريق شاقة وصعبة، فإن محاكمة كوني وأعوانه ليست عقبة في طريق السلام. لقد أعاد البرلمان الأوغندي الترخيص مؤخراً لمشروع قانون يَعِد بمنح المقاتلين الأقل مرتبة ممن ينبذون العنف عفواً شاملاً. والحقيقة أنه ينبغي في حالة هؤلاء الأشخاص، وأغلبيتهم من الشباب الذين اختُطفوا وأجبروا على التجنيد، تشجيع المصالحة والصفح عنهم. أما زعماؤهم، فينبغي أن يواجهوا مصيراً مختلفاً، ذلك أن خطورة ما ارتكبوه من جرائم تتطلب محاسبة واضحة، وهو ما سيبعث إليهم برسالة مهمة مؤداها أن العالم سيعاقب –ولن يتفاوض مع- الذين يتخذون من الإرهاب وسيلة لهم. أليكس ليتل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ متخصص القانون ومستشار سابق للمحكمة الجنائية الدولية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"