حوار موسم انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأميركي، انصب على العراق؛ فخلال الأسبوع الماضي دار حوار حول ما إذا كانت الحرب قد أدت إلى زيادة الإرهاب العالمي أم لا. قد يشير هذا الحوار إلى حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة ليست قريبة بأي حال من الأحوال من الوقت الذي يتعين عليها فيه مواجهة السؤال الحرج المتعلق بما يتعين عمله حول الوضع الفعلي على الأرض في ذلك البلد. وإذا ما تجاوزنا مقولة الرئيس بوش بأن حرب العراق قد جعلتنا "أكثر أماناً"، والصيحات التي ارتفعت رداً على ذلك بأن ما حدث في العراق كان "فشلاً ذريعاً"، فسنجد أن هناك حواراً أكثر جدية حول استراتيجية الولايات المتحدة في العراق يبرز بهدوء، ويتوقع له أن يحتل مكانة مركزية على المسرح عقب الانتخابات. والسؤال المحوري في هذا الحوار هو: هل يجب على الولايات المتحدة أن تستمر في الاعتماد على حكومة "الوحدة الوطنية" والجيش في العراق، لتنفيذ الإجراءات السياسية والاقتصادية والعسكرية، المطلوبة لتحقيق الاستقرار في ذلك البلد وتحقيق الشيء الأكثر أهمية وهو التسوية السلمية بين الطوائف المذهبية المتحاربة، أم أن الضرورة تستدعي تجاهل النظام السياسي الحالي في العراق والقيام بقدر من التدخل، الذي تقوده الولايات المتحدة، وربما غيرها من الحكومات لفرض الصفقات الضرورية؟ وعادة ما يلمح جورج بوش إلى هذه النقطة في كافة تصريحاته، وذلك منذ الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي "نوري المالكي" إلى واشنطن في يوليو الماضي. فعلى سبيل المثال، أدلى الرئيس الأميركي بتصريح في الحادي والثلاثين من أغسطس الماضي قال فيه: "يمكن للعراق الاعتماد على شراكتنا طالما استمرت الحكومة الجديدة في اتخاذ القرارات الصعبة المطلوبة لدفع العراق المتحد والديمقراطي والمسالم قدماً إلى الأمام". وهناك إشارة أكثر وضوحاً جاءت في المؤتمر الصحفي الذي عقد في التاسع عشر من سبتمبر الماضي بواسطة وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر، والنائب السابق "لي هاملتون" الذي يترأس لجنة تحظى بتفويض من الكونجرس ومباركة من بوش، ومهمتها النظر في الخيارات المطروحة بالنسبة للعراق. وكانت هذه اللجنة قد قررت منذ وقت طويل عدم تقديم توصيات إلا بعد انتهاء انتخابات نوفمبر. وطالما أن الأمر كذلك، فما الداعي لعقد مؤتمر في سبتمبر؟ ربما كي يتمكن "هاملتون" من الإدلاء بالتصريح التالي: "إن حكومة العراق بحاجة لأن تظهر لمواطنيها ولمواطني الولايات المتحدة في أقرب وقت ممكن أنها جديرة بالاستمرار في الحصول على دعمهم، وأنها قد حققت تقدماً في تأمين بغداد، وفي السعي لتحقيق الوفاق الوطني، وتوفير الخدمات الأساسية". هناك البعض في حكومة المالكي يسمعون هذه التحذيرات. يمكننا أن ندرك ذلك من خلال ظهور نائب الرئيس العراقي "عادل عبدالمهدي"، ونائب رئيس الوزراء "برهم صالح" في واشنطن في سبتمبر الماضي حيث طالب "مهدي"، وهو شيعي، بإتاحة المزيد من الوقت للحكومة العراقية، في حين اتخذ "صالح"، وهو كردي، مساراً آخر حيث قدَّم قائمة بإجراءات قال إن البرلمان العراقي سيوافق عليها قبل نهاية هذا العام. وفي الحقيقة، بدأ البرلمان العراقي العمل أخيراً، وسط الفوضى السائدة في بغداد، حيث توصل النواب السُّنة والشيعة في البرلمان لاتفاق مبدئي على قانون سوف يسمح بإقامة مناطق فيدرالية، وينص على إنشاء لجنة للنظر في التعديلات التي سيتم إدخالها على الدستور. وإذا ما استمر هذا الكسل والتباطؤ في الحركة، فإن لجنة (بيكر- هاملتون) ومعها الإجماع الموجود في واشنطن يمكن أن يميلا نحو الاستنتاج القائل إن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تعتمد على النظام الجديد من أجل التوصل لحلول. وبدلاً من ذلك ربما سيجد الجميع أن الوقت قد أصبح ملائماً للاستعانة ببعض الأفكار التي ظل السيناتور "الديمقراطي" جيمس بايدن، يدعو إليها معظم أوقات العام. وجوهر هذه الأفكار يقوم على اقتراح من "بايدن" بضرورة قيام الولايات المتحدة بالاستعانة بحلفائها في "الناتو"، وأعضاء مجلس الأمن الدولي، وجيران العراق، من أجل التدخل بهدف إجبار الزعماء السياسيين والطائفيين على القفز في اتجاه التسوية السياسية بدلاً من الزحف إليها كما يحدث حالياً. والتسوية التي يحملها "بايدن" في رأسه تقوم على تقسيم العراق إلى مناطق تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلال الذاتي، ويهيمن عليها السُّنة أو الشيعة أو الأكراد. وهذا الحل كان هو موضوع الصفقة المبدئية التي تم التوصل إليها الأسبوع الماضي، والتي تؤجل أي إجراء حتى عام 2008، والتي سيتم في إطارها إطلاق برنامج جديد لتقديم المساعدات وإعادة الإعمار، وعقد مؤتمر دولي يلزم إيران وسوريا وغيرهما من الدول المجاورة باتفاقية عدم اعتداء، وتجنيد قوات دولية لحفظ السلام لتسيير دوريات في المدن العراقية وعلى رأسها بغداد. وفي الوقت ذاته، سيتم سحب معظم القوات الأميركية بنهاية العام المقبل، مع إبقاء قوة يمكنها التدخل ضد "القاعدة". ومن السهل العثور على ثغرات في هذه الاستراتيجية تماماً كما كان من السهل العثور على ثغرات في أية خطة أخرى متعلقة بالعراق. فالعراقيون قد لا يكونون قادرين على القفز في اتجاه التسوية، وقد يكون الشيء الذي يدفعهم لذلك هو الخوف من حرب أهلية ممتدة. ونظراً لأن فكرة "بايدن" الأساسية المتعلقة بالتدخل الخارجي المدعوم من قبل تحالف دولي هي الخيار الكبير الذي لم تحاول إدارة بوش تجربته، فليس من المستغرب أن يجد "بيكر" المهندس الرئيسي لاتفاقية "بلازا" ومؤتمر مدريد مثل هذا الخيار ملحاً ولا يقاوم. جاكسون ديل ــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"