يذهب كل مريض يغادر وحدة العناية المركزة في قسم أمراض القلب في مستشفى "سان فيليبو نيري" بإيطاليا إلى منزله وهو مزود بوصفة تحتوي على زيت السمك النقي أو الأحماض الدهنية غير المشبعة "أوميجا- 3". ويقول مدير قسم أمراض القلب بالمستشفى إن عدم وصف زيت السمك لمرضى القلب سيصبح من الآن فصاعداً ممارسة خاطئة. ذلك أن عدداً من الدراسات قد أثبت أن تناول زيت السمك يزيد من فرص النجاة للمرضى بعد الإصابة بنوبة قلبية، كما أنه يقلل من معدل النوبات المميتة. وعلى الرغم من ذلك فإن مستشفيات الولايات المتحدة لا تقوم بوصف الأحماض الدهنية المشبعة "أوميجا- 3" لمرضى القلب بحجة أن الدراسات التي تم إجراؤها لم تثبت مدى فعالية هذه المادة بالضبط. وبدلاً من ذلك تعمد أقسام أمراض القلب في المستشفيات الأميركية إلى تقديم وصفات علاجية لمرضاها تتضمن عدداً من العلاجات والعقاقير باهظة التكلفة مثل أجهزة تنشيط ضربات القلب وعقاقير خفض الكليسترول في الدم، وليس هذا فحسب بل إن وصفة زيت السمك لم تتم الموافقة عليها من قبل هيئة الأغذية والعقاقير الأميركية للاستعمال في علاج النوبات القلبية تحديداً. والاستمرار في وصف الوسائل والعقاقير باهظة التكلفة في المستشفيات المتطورة في العالم لعلاج المصابين بنوبات قلبية على الرغم من أن الأبحاث في أوروبا قد أثبتت فعالية زيت السمك الرخيص التكلفة، يلقي الضوء على الدور الذي تلعبه شركات العقاقير والنفوذ الذي تمارسه في توزيع المعلومات الطبية أيضاً. فنظراً لأن زيت السمك غير مرخص من قبل هيئة الأغذية والعقاقير الطبية في الولايات المتحدة، فإنه ليس من حق شركات الأدوية أن تقوم بالترويج لاستعمال هذا العقار في المؤتمرات التي تعقدها لترويج أدويتها، أو في عيادات الأطباء أو للمرضى أو حتى على شبكة الإنترنت. فعلى سبيل المثال وعلى موقع شركة "سولفاي فارماسوتيكال" على الانترنت فإن السؤال الأول الذي توجهه الشركة للمستخدمين على الإنترنت قبل أن تقوم بوصف الدواء الذي توصي به للوقاية من النوبات القلبية هو: هل أنت مواطن أميركي؟ فإذا ما أجاب المستهلك بالإيجاب يتم تحويله إلى صفحة أخرى لا تذكر شيئاً عن استخدام زيت السمك للوقاية من النوبات القلبية. وهناك صعوبة أخرى تحول دون انتشار الدواء وهو أن عدم قيام هيئة الأغذية والعقاقير الأميركية بتسجيله يجعل شركات التأمين الصحي تمتنع عن دفع قيمة تكاليف العلاج في حالة ما إذا تعاطى المرضى عقار "أوماكور" المحتوي على زيت السمك. وتقول المصادر الطبية في الولايات المتحدة الأميركية إنه ليس متوقعاً أن تتم الموافقة على استخدام عقار "أوماكور" للوقاية من النوبات القلبية بواسطة هيئة الأغذية والعقاقير الطبية في المستقبل القريب. وقد تبين من دراسة أجرتها "مجلة المجلس الأميركي للطب العائلي" أن 17 في المئة فقط من الأطباء هم الذين من المتوقع أن يقوموا بوصف زيت السمك لمرضاهم بما في ذلك المرضى الذين تعرضوا لنوبات قلبية. وحقيقة أن زيت السمك يباع كمكمِّل غذائي في الصيدليات وغيرها جعل من الصعب على بعض الأطباء أن يقتنعوا بأنه دواء فعال كما يقول الخبراء. أما الوضع في أوروبا فمختلف حيث تقول الدكتورة "ماريا فرانزوسي" الباحثة في معهد "ماريو نيجري" في ميلانو بإيطاليا: "إن زيت السمك يحظى بشعبية كبيرة في إيطاليا لعلاج القلب وهو ما يرجع في رأيي لحقيقة أن الكثيرين من أطباء القلب في هذه الدولة قد شاركوا في الدراسات والأبحاث التي أثبتت فعالية هذه المادة وهم بالتالي على معرفة جيدة بنتائجها... أما في الدول الأخرى فإن تعاطي هذا الدواء أصعب، لأن الأطباء فيها ينظرون إليه على أنه مكمل غذائي". وفي أكبر دراسة تم إجراؤها للتأكد من فعالية زيت السمك منذ عقد من الزمان فإن الباحثين الإيطاليين العاملين في "جيسي جروب" أعطوا 11 ألف مريض جراماً واحداً من زيت السمك يومياً عقب تعرضهم لنوبات قلبية. وبعد ثلاث سنوات تبين لهؤلاء الباحثين أن نسبة الوفيات بالنسبة لهؤلاء الأشخاص قد انخفضت بنسبة 20 في المئة. وتوصلت الدراسات التي أجريت بعد ذلك إلى نتائج إيجابية على الرغم من أن بعض العلماء يقولون إن هناك ثغرات في المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع. فخلال هذا الصيف وفي ورقة تضمنت مراجعة رئيسية للنتائج السابقة نشرت في المجلة الطبية البريطانية جاء "إن هناك ظلالاً من الشك تخيم على تأثيرات تلك الأدوية بشكل عام". وقال الدكتور "روجر هاريسون" مؤلف هذه الورقة إنه يؤمن مع ذلك بأن الناس بشكل عام يجب أن يزيدوا مقدار ما يتناولونه من الأحماض الدهنية المشبعة "أوميجا – 3" وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال تناول المزيد من الأسماك أسبوعياً وخصوصاً الأسماك التي تحتوي على نسبة دهون عالية. في أميركا قالت "ماري لو روي" المتحدثة باسم شركة "ريليانت فارماسوتيكال" التي تمتلك رخصة تصنيع زيت السمك باسمه التجاري"أوماكور" إن الحاجة تستدعي إجراء المزيد من التجارب على العقار حتى يمكن ترخيصه للاستخدام في علاج الأشخاص المصابين بالنوبات القلبية في الولايات المتحدة الأميركية، وإن كانت قد رفضت مناقشة الجدول الزمني الذي يمكن أن يتم فيه ذلك. في نفس الوقت حصلت الأبحاث الخاصة بزيت السمك في أوروبا الذي يعتقد الآن على نطاق واسع هناك أنه يؤدي إلى استقرار أغشية الخلايا على المزيد من الزخم. وتقوم الآن شركة "جيسي جروب" بإجراء تجربتين كبيرتين على استخدام زيت السمك في علاج اضطراب دقات القلب وعلاج المرضي الذين يعانون من قصور في وظائف القلب. اليزابيث روزنثال ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتبة أميركية متخصصة في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"