ما هو الواقع الحالي لصناعة النفط العراقية؟ وكيف كانت في السابق؟ وما هي آفاق تطورها مستقبلاً؟ تلك هي الأبعاد الرئيسية الثلاثة في كتاب "مستقبل تمويل الصناعة النفطية العراقية"، لمؤلفه، الدكتور علي حسين، وهو أستاذ اقتصاديات النفط في عدة جامعات، وخبير سابق لدى منظمة "أوبك"، وأحد المختصين في قضايا صناعة النفط الدولية. يتألف الكتاب من مقدمة وأربعة محاور وخاتمة استخلاصية، حيث يستهل المؤلف كتابه بلمحة عامة عن "التنمية الاقتصادية في العراق"، مبرزاً أهم العوائق والمراحل التي مرت بها. فخلال مرحلة ما قبل الحرب مع إيران، كان العراق أحد البلدان الأكثر تقدماً في منطقة الشرق الأوسط؛ من حيث ارتفاع متوسط الدخل، وتطور البنى التحتية، ومستوى النظامين التعليمي والصحي... أما بعد اندلاع الحرب عام 1980، ثم غزو الكويت عام 1990، فقد أصبح الاقتصاد العراقي عرضة لأضرار فادحة من جراء الحروب والعقوبات الاقتصادية الدولية. وعلى غرار القطاعات الاقتصادية العراقية الأخرى، تراجعت معدلات الإنتاج في قطاع الصناعة النفطية الذي ما لبث أن توقف كلياً عن التصدير بسبب الحظر الدولي على العراق. إلا أن الأمم المتحدة أقرت في عام 1996 برنامج "النفط مقابل الغذاء" الذي سمح للعراق باستئناف تصدير نفطه والحصول على عائدات بالعملات الأجنبية، أوجب القرار تخصيص 30% منها لتسديد مطالبات التعويض الدولية المترتبة على غزو الكويت. وعن أهمية النفط للاقتصاد العراقي، يذكر المؤلف أن هذا الأخير يعتمد اعتماداً كبيراً على القطاع النفطي الذي تدر صادراته ما لا يقل عن 90% من إيرادات العراق من العملات الأجنبية، كما يساهم ذلك القطاع بما لا يقل عن 50% من الناتج المحلي الإجمالي العراقي. ويلقي الكتاب نظرة تاريخية على مراحل تطور "الصناعة النفطية في العراق"، والذي يعد أحد أوائل منتجي النفط في المنطقة؛ إذ تم اكتشافه أولاً في شماله عام 1927، ثم بُوشِرَ بتصديره عام 1934 عبر خط أنابيب يمتد باتجاه لبنان. وخلال الفترة بين 1927 و1972 كان النفط العراقي خاضعاً لشركات أجنبية أخذت على عاتقها مسؤولية التنقيب والإنتاج والتصدير. أما بعد قرار تأميم صناعة النفط العراقية عام 1972، فأصبحت العمليات النفطية تنفذ من قبل وزارة النفط و"شركة النفط الوطنية العراقية". وبلغ الإنتاج النفطي العراقي ذروته عام 1979 عندما وصل 3.5 مليون برميل يومياً، لكنه تراجع تراجعا حاداً بسبب ما أوقعته الحرب العراقية- الإيرانية (1980- 1988)، ثم حرب تحرير الكويت (1991)، من أضرار ودمار كبيرين بأغلب المنشآت النفطية العراقية، حيث تدنى معدل الإنتاج إلى 282 ألف برميل يومياً عام 1991، ومع البدء بتطبيق برنامج "النفط مقابل الغذاء"، عاودت معدلات الإنتاج ارتفاعها لتصل 740 ألف برميل يومياً عام 1996، ثم 1.3 مليون برميل يومياً عام 2003. وإثر الغزو الأميركي في مارس 2003، عاد إنتاج العراق من النفط إلى الانخفاض، لكنه ارتفع إلى 2.3 مليون برميل يومياً في مارس 2004. وعن الوضع الراهن للصناعة النفطية العراقية، يقول المؤلف إنها لازالت تعاني منذ عام 1980؛ فكثير من معداتها تجاوزت عمرها الافتراضي، كما تعرض كثير منها للتدمير. ولتجاوز هذا الوضع، كما يقول المؤلف، لابد من إنجاز عاملين جوهريين هما: إعادة تأهيل الصناعة النفطية العراقية، وتوسيعها. لكن قطاع الصناعة النفطية يندرج في عداد القطاعات التي تتطلب توظيف أصول رأسمالية ضخمة، ومن ثم فمن أجل إعادة تأهيله وتوسيعه، يصبح لزاماً توفير قدر كبير من الاستثمارات. وقد شرعت في ذلك سلطات التحالف المؤقتة فور انتهاء الحرب الأخيرة، وذلك بتخصيص 2.3 مليار دولار لإحدى شركات "هاليبيرتون" التي فازت بعقد آخر قيمته 1.2 مليار دولار لتطوير حقول نفط جنوب العراق. أما فيما يتعلق بمصادر التمويل، فيعتقد المؤلف أنه يمكن للعراق تمويل صناعته النفطية من مصادر مختلفة؛ بما في ذلك عائدات الصادرات النفطية ذاتها، والتي كان يتوقع أن تبلغ 15 مليار دولار عام 2004 مقارنة مع 5 مليارات دولار عام 2003، إضافة إلى التمويلات المتعددة الأطراف، والقروض المصرفية، ومخصصات "مؤتمر مدريد" (13 مليار دولار)، والمنح الأخرى (قدمت الولايات المتحدة منحة للعراق بقيمة 18.6 مليار دولار)، إضافة إلى ما تدره عمليات خصخصة قطاع ما بعد الإنتاج، والاستثمارات الأجنبية في مشروعات قطاع ما قبل الإنتاج. وفي معرض استشرافه لمستقبل الصناعة النفطية العراقية، يرى المؤلف أن هذه الصناعة يمكن تطويرها اعتماداً على عوامل عدة؛ منها ضخامة الاحتياطيات النفطية العراقية المؤكدة والتي تبلغ 120 مليار برميل، وانخفاض تكلفة إنتاج النفط العراقي إلى الحد الأدنى عالمياً (نحو 1.9 دولار للبرميل)، وتعدد منافذ تصدير النفط العراقي، ووجود مخزونات منه في الجنوب والوسط والشمال، وتوفره بأنواعه المختلفة (خفيف ومتوسط وثقيل)، وأخيراً وجود قوة عاملة هي الأفضل في المنطقة... ومن ثم فقد يصبح بإمكان العراق رفع إنتاجه النفطي مستقبلاً إلى مستوى 12 مليون برميل يومياً أو يزيد. بيد أنه لا يمكن لهذه الصناعة أن تستعيد عافيتها وتزدهر من جديد، ما لم تتوفر شروط ومتطلبات؛ أهمها استتباب الأمن في البلاد، وقيام حكومة شرعية تستطيع إحداث تغييرات حقيقية، وإقامة علاقات دولية طيبة مع المحيطين الإقليمي والعالمي، وانتهاج سياسة سليمة وشفافة في إدارة قطاع النفط العراقي عامة! محمد ولد المنى الكتاب: مستقبل تمويل الصناعة النفطية العراقية المؤلف: د. علي حسين الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2006