لا أعرف! هل أداري وجهي خجلاً، على ما يجري من أمور في مجتمعي؟! هل أصرخ بملء صوتي، حزناً على ما يقع للمرأة في بلادي؟! أم أوجه إصبع الاتهام للمرأة نفسها، التي استهانت بحقوقها، واستسلمت لواقعها، وأذعنت لأعراف لا تمت لدينها بصلة من قريب أو بعيد! قرأت مقالات عديدة يُعلّق أصحابها على حادثة التفريق بين رجل وزوجته في السعودية، بناء على الطلب المقدَّم من أخيها، وقد استند القاضي في إصدار حكمه بفسخ عقد الزواج، على عدم الكفاءة النسَبية بين الزوجين. المتابع لأحداث هذه الواقعة، يجد نفسه يقف مذهولاً غير مُصدّق، أن تقع مثل هذه الحادثة في عصر الانفتاح الإعلامي، الذي يُعتبر من أهم الوسائل لتطوير فكر الأفراد داخل المجتمعات. ولا أدري ماذا أقول!! كلما اعتقدتُ بأن المرأة بعلمها وثقافتها، نجحت في إثبات مكانتها، وتعزيز مطالبها، جاء من يضربها على رأسها، ويُكمم صوتها، ويُقيّد يديها ورجليها، ويقول لها أنت ناقصة عقل ودين، ليس لك حق الإدلاء برأيك، وتحديد مصيرك بيدك. لقد تجاهل المتعصبون، الذين يحاولون الاستهانة بمكانة المرأة، أنها أول إنسان لجأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه جبريل لأول مرة، فهرع إلى زوجه خديجة، فكانت نعم النصير. لقد تناسى المتعنتون، الذين يريدون إذلال المرأة، أن المرأة هي نفسها الزوجة التي نزلت فيها صورة المجادلة، حين وقفت أمام رسول الله، تطلب استيضاح الشرع في وضعها. لقد تناسى المتحجرة عقولهم، أن سكينة بنت الحسين حفيدة رسول الله، الناقدة الأدبية، كانت تشترط على كافة أزواجها أن تكون العصمة في يدها، وكانت فصيحة اللسان، فماذا كانت ستفعل لو شاهدت ما يقع على حفيداتها من ظلم، واستخفاف بعقولهن! الغريب أن الكثير من الأقلام التي هبّت للدفاع عن هذه المرأة، لم تؤكد على حق المرأة في اختيار شريك حياتها ما دامت بالغة الرشد، وصبّت جام غضبها على الأعراف والتقاليد، ولم يلتفت القاضي لاعتراض الزوجة على الحكم، وحقها في التمسّك بزوجها وطفليها، وإيثارها البقاء في الإصلاحية بين السجينات، على العيش في منزل أخيها! بل ولم يفسح لها في توكيل محام للدفاع عن قضيتها، كأنها مخلوق فاقد الأهلية، ليس له حق الاعتراض، مثل ما كان يجري في عصور الجاهلية، حين كانت المرأة تُورّث مع ممتلكات الزوج المتوفى. لقد ذكر الناشط الحقوقي عبد الرحمن اللاحم في مقالة له، أن الحكم الذي أصدرته المحكمة مخالف لمعاهدة مناهضة كافة أشكال التمييز العنصري التي وقّعت عليها السعودية. ومع احترامي للأستاذ اللاحم، إلا أن القضية في رأيي أبعد من أن تكون محصورة في معاهدات موقعة، الأمر يتعلّق باحترام عقل المرأة، والنظر إليها كإنسان، يتحمّل تبعات قراراته مثل الرجل تماماً. هناك عبارة جميلة للإمام ابن القيّم "إن على الفقيه أن يُزاوج بين الواجب والواقع". فالإصرار على تحجيم مكانة المرأة، وعلى فرض الوصاية عليها في كافة أمور حياتها، سيؤدي مع الوقت إلى قيام مجتمع هش، سرعان ما ينهار مع أول سيل عام يجتاحه، لأن النساء هنَّ اللواتي يُسقين البراعم الجديدة حتّى تخرج من مهدها وتستقبل الحياة. نحن نريد صحوة نسائية، تنبش في كتب التاريخ الإسلامي، لتبيّن أمام الجميع الإنجازات الحقيقية التي حققتها المرأة. أوراق يتم وضعها على الطاولة، لتتمّ المراهنة عليها، في أن المرأة قادرة على قيادة مجتمعها إلى الأمام بجانب الرجل وليس خلفه كتابعة!