في مقال لي نشر في مجلة الدراسات الدولية منذ عشر سنوات (1996) ذهبت للقول إن مصر يجب أن تسعى للخيار النووي. ولعل هذا هو السبب الذي أثار اهتمامي مؤخراً عندما أعلن جمال مبارك أن مصر يجب أن تقوم بتطوير الطاقة النووية. وقد عبر جمال مبارك في هذا الخطاب عن إحساس غير معتاد بالاستقلال المصري حيث قال في الخطاب الذي ألقاه أمام تجمع للحزب الوطني الديمقراطي إن مصر لا تنتظر النصيحة من أحد فيما يتعلق بشكل الشرق الأوسط وذلك في إشارة واضحة إلى خطة الرئيس بوش الخاصة بإنشاء شرق أوسط جديد مُوالٍ للغرب. ليس هناك من حاجة للقول إن مصر كانت تجد نفسها دائماً أمام مسؤولية تاريخية لتولي قيادة المنطقة، وذلك بفضل ما تتمتع به من عمق تاريخي وموقع جغرافي فريد وقيمة استراتيجية. وخلال عهد عبدالناصر تولت مصر بلا منافس قيادة العالم العربي غير أنه بعد فشل مشروع القومية العربية، وهزيمته التاريخية أمام إسرائيل وإخفاقه في استعادة فلسطين أصبحت مصر تحت حكم السادات مهمومة في المقام الأول بتحرير أراضيها المحتلة مما أدى إلى توقيعها لمعاهدة سلام منفصلة مع إسرائيل. وعقب ذلك أخذ الدور المصري في قيادة المنطقة منحى اقتصر على الاعتراض على هجمات إسرائيل المتواصلة على الفلسطينيين، وانتقاد الاحتلال الأميركي للعراق، وهي الاعتراضات التي لم تنل استجابة بشكل عام، ما جعل الدور المصري ينحصر في النهاية في الوساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وعلى التوجيه دون جدوى إلى أنه ليس هناك بديل غير السلام، في نفس الوقت الذي واصل فيه الإسرائيليون سياستهم في انتزاع أراضي الفلسطينيين والتوسع الاستيطاني. والاستقرار في المنطقة لن يتحقق إلا باحتمالين، الأول هو تخلي إسرائيل عن سياساتها، والثاني هو أن تصبح القيادات والأنظمة العربية أكثر استجابة لمطالب شعوبها وطموحاتها. الاحتمال الأول غير متوقع حدوثه، أما الثاني فهو ممكن من خلال المزيد من الدمقرطة وبناء ردع عسكري موثوق به. ولكن هذا الخيار مستبعد بالنسبة للعرب في الوقت الراهن بسبب تفوق إسرائيل في القوة العسكرية التقليدية، والدعم غير المحدود الذي تلقاه من أميركا في هذا الشأن، وتخلي معظم الأنظمة العربية نفسها عن الخيار العسكري حتى لأغراض الردع. في كتابه" المجتمع الفوضوي" يذهب "هيدلي بول" إلى أنه في حالة اختلال توازن القوة بين دولتين فإنه ليس هناك من وسيلة أمام الدولة التي يكون ميزان القوى في غير مصلحتها سوى أن تعمل على دعم وتعزيز مصادر قوتها الأصيلة مثل المساحة وعدد السكان في القرن الثامن عشر، والصناعة والتنظيم العسكري في القرن التاسع عشر. أما الآن فإن ذلك يقاس بمدى التقدم في التكنولوجية العسكرية كما هو في حالة إسرائيل. والتكنولوجية العسكرية تعني بشكل متزايد القدرة على الوصول إلى التقنية النووية. وبالمقارنة بباقي الدول العربية تعتبر مصر هي الدولة المرشحة أكثر من غيرها للتحول للخيار النووي، خصوصاً لو أخذنا في الحسبان دورها القيادي التقليدي وبنيتها الصناعية وقدراتها العلمية المتقدمة نسبياً، وكواردها من الشباب المتعلم وصناعاتها العسكرية المتطورة بالشكل الكافي. والحقيقة أن غياب مصر عن تطوير الطاقة النووية قد مثل مفارقة غريبة لم يمكن تفسيرها سوى بأنها كانت حريصة على بقاء الوضع على ما هو عليه، دون أن تكون لديها الرغبة -أو رغبة قليلة- في بناء مشروع كبير ورؤية طموحة تتلاءم مع مكانة مصر في المنطقة وفي التاريخ. ويمكن صياغة التحدي الذي يمثله توازن القوى الحالي في المنطقة بالنسبة لمصر على النحو التالي: كيف يمكن زيادة القدرات الذاتية الأصيلة عندما يكون ميزان القوى العسكرية التقليدية في صالح إسرائيل، وعندما يكون الوصول إلى التقنية النووية وخصوصاً الأسلحة النووية، ممنوعاً من قبل المنتفعين بميزان القوى الحالي؟ الإجابة المختصرة هي أن ذلك يكون عن طريق تبني سياسة مستقلة تقوم على الدخول في تحالفات تعمل كموازن موضوعي للقوة المتفوقة وهو الهدف الذي يفترض أن القيادة المصرية ستعمل على تحقيقه في الوقت الراهن في إطار رؤية طموحة للمستقبل.