في استطلاع للرأي أجرته ونشرته مؤخراً مؤسسة "جالوب" وصحيفة "يو أس إيه توداي"، اعترف 40 في المئة من الأميركيين المشاركين في الاستطلاع، بأنهم متحيزون ضد المسلمين، والنسبة ذاتها -أو أكثر قليلاً- تؤيد إصدار بطاقات هوية خاصة ومميزة للمسلمين الأميركيين تماماً مثلما كان يحدث بالنسبة لليهود في ألمانيا النازية! وموجة "معاداة الإسلام والمسلمين" ليست جديدة وليست هي بنت اليوم، ولكن ما زاد في تفاقمها وجعلها تبدو كظاهرة في المجتمع الأميركي -وربما الغربي عموماً- هو أحداث الحادي عشر من سبتمبر المفجعة -بالنسبة للمسلمين قبل غيرهم- والتي سبقتها وصحبتها موجة ارتفاع وتيرة أصوات "اليمين الكاثوليكي" المتشدد ليس دينياً فقط، وإنما سياسياً واجتماعياً، والذي تمثله اليوم مجموعة مثقفي الإدارة الأميركية الحالية والذين يوصفون بـ"الصقور". وسط هذه الأجواء الملبدة بالغيوم، يعيش قرابة 3% من المواطنين الأميركيين والكنديين المسلمين، وعليهم أن يواجهوا قدرهم وعليهم أن يحققوا ذواتهم في مجتمعات شعارها التنافس الذي لا يرحم ضعيفاً، وهم إنْ تقاعسوا وتخلفوا فاتهم الركب وعاد عليهم بالضرر أفراداً وجماعات، وأصاب الضرر أكثر فأكثر الإسلام والمسلمين، فتلك حرب أراد لها مشعلوها أن يسموها "صراع الحضارات"! لكن كسنّة الحياة أبداً، لابد أن يكون هنالك بريق من ضوء وسط سماء الغيوم الملبدة، ولابد أن يكون أمل يبزغ ضوؤه لينير السبيل للسائرين. بالأمس انتخب "المؤتمر السنوي للجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية"، التي تعرف اختصاراً بـISNA "إسنا"، الدكتورة "أنجريد ماتسون" رئيسة للمنظمة العريقة، والتي تعتبر رائدة في العمل الإسلامي الجماعي في الولايات المتحدة وكندا. والسيدة "أنجريد ماتسون" هي مواطنة كندية من بلدة "كتشنر" القريبة من "تورنتو"، حصلت على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة شيكاغو، وتعمل أستاذة بها، هداها الله إلى الإسلام في مثل هذا الشهر المعظم عام 1986، وهي بين جماعات المثقفين المسلمين -ومن بينهم أدعياء كثيرون- تتميز ليس فقط برجاحة العقل وقوة المنطق وسعة الصدر، ولكن أيضاً بقدرة فائقة على اجتذاب الخصوم ومحاورتهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن وكسبهم إلى جانبها. وسيذكر عنها في سيرتها، أنها أول امرأة مسلمة كندية أصلاً ومولداً تتولى رئاسة الـISNA، بانتخاب ديمقراطي مباشر، شارك فيه أكثر من ثلاثين ألف مندوب يمثلون فروع المنظمة والجماعات التي تعمل تحت مظلتها في الولايات المتحدة وكندا. وسيذكر عنها أيضاً أن مساهماتها الأكاديمية والفكرية تحظى بالاحترام مما أهّلها للتدريس في أحد أكبر المعاهد التعليمية المسيحية. في تقديري أن انتخاب هذه السيدة العالمة، هو الرد العملي والصورة المشرقة التي يقدمها مجتمع المسلمين في أميركا الشمالية على حملة الافتراءات المغرضة والجاهلة التي تثيرها دوائر معينة في هذا الجزء من العالم، مصورة الإسلام ورسالته بأنه عدو المرأة، والتي يساعد على نشرها البعض من المسلمين جهلاً وتجاهلاً غير مبرر حتى ولو لبس بعض ثياب المسلمين، فبعض من يوصفون بالأصوليين والمتشددين الإسلاميين أثاروا كثيراً من الغبار والضجيج عندما رأوا "امرأة" مسلمة تتبوأ مقعد القيادة -وهي مسؤولية تطوعية وبلا أجر- الذي ظل حكراً عليهم لعدة أجيال هنا. وشاكلهم أيضاً بعض من يصفون أنفسهم بـ"اليساريين الإسلاميين" بالتشكيك في "ثورية" السيدة المسلمة! ما يحتاجه المسلمون هنا -كما جاء على لسان الرئيسة المنتخبة- هو أن ينخرطوا أكثر فأكثر في المجتمعات التي هم شركاء فيها، مع بقية المواطنين، وأن يؤسسوا منظمات المسلمين للسلام ولحقوق الإنسان، وأن يؤسسوا لجمعيات الرعاية الطبية والأعمال الخيرية، وأن يشكلوا جماعات من المثقفين المسلمين. باختصار أن يفعلوا أو ينشطوا كما ينشط نظراؤهم من الديانات الأخرى... وبذلك يخدمون دينهم ودنياهم.