جيل من الشباب المسلم الراديكالي أنتجته الحرب في العراق, هذا ما صرحت به الاستخبارات الأميركية في تقريرها الذي نشرته الصحافة الأميركية وأحدث ضجة جديدة في موضوع الحرب على الإرهاب. الإدارة الأميركية شنت حربها على أفغانستان ومن ثم العراق تحت راية الحرب على الإرهاب أو ما أطلق عليه تجفيف منابع الإرهاب، لينتهي الأمر بالاعتراف بأن تلك الحرب ولّدت جيلاً من الشباب المسلم الأكثر تشدداً وعنفاً وبالتالي ثمة خلل في الإستراتيجية الأميركية في الحرب على الإرهاب. سبق وأن نبهنا إلى أن الحرب على الإرهاب تستند الى منطق القوة العسكرية وقد تم إغفال الأبعاد الأخرى في مكافحة الإرهاب والتي نعتبر جانبها السياسي والثقافي يشكلان ركائز رئيسية في الحد من انتشار أيديولوجية العنف بين الشباب المسلم. الاستراتيجية الأميركية تنطلق من منطق القوة وتعتبر بأن المواجهة المسلحة قادرة على إنهاء الإرهاب في العالم وتنسى بأن للظاهرة أسبابها وأبعادها وأنه لا يمكن للإرهاب أن ينتهي مادام المنطق أعوج ومادام الأمر يدار بعنجهية, فالإرهاب أفرزته ظروف ثقافية واجتماعية وحالة من فقدان التوازن السياسي؛ سواء في البلدان المصدرة لفكر العنف أو فيما يخص السياسة الأميركية ذاتها تجاه بؤر الاحتقان. على مستوى البلدان المصدرة للعنف، فهي دول تعاني من اختلال سياسي في موازين توزيع الثروة، كما أن بعضها ينخره الفساد، وقد غاب عنه العدل، مما أدى إلى حالة الاحتقان بين الشباب المهمش. أما على المستوى العالمي, فالموضوع الفلسطيني والتعنت الإسرائيلي والسياسة الأميركية المنحازة... كلها حركت مشاعر الشباب المحبط الذي لا يرى أميركا إلا من خلال التسلط ومساندة أنظمة معادية لشعوبها! المأزق الذي لا تريد أميركا الاعتراف به، يتجسد في قصور التحليل والنظر في فهم الظواهر الاجتماعية؛ فالعنف له أسبابه الاجتماعية والثقافية وأفكاره راسخة في أذهان الشباب اليافعين الذين زهقوا الأرواح ولم يعد الموت مخيفاً لهم، بل فكرة الموت محببة ومرحب بها فيما نسميه ثقافة الموت. ما تقوم علية فكرة القوة هو السلاح الذي يحارب به "المجاهدون"، أي أن الإستراتيجية الأمنية القائمة على القتل والحرب، تقود إلى موت الإرهابي والإرهابي يقاتل بجسده وروحه, فالموت هنا يتحول إلى سلاح وهدف في آن واحد. الموت هو الشهادة, والشهادة هي دخول الجنة التي وعد الله بها المجاهدين في سبيله, والموت يتحول الى أمنية في عقل الإرهابي, وكلما زاد عدد الشهداء كلما زاد مخزون الإرهاب. ثمة ثقافة أنتجتها أوضاع سياسية واجتماعية محلية وعالمية ولا يمكن القضاء على هذه الثقافة إلا من خلال ثقافة جديدة تحل محل الثقافة السائدة بين الشباب المسلم المؤمن بالعنف كوسيلة للتعبير عن حالة عدم الرضا. الأخطاء تتكرر والسياسات العوجاء تتكرر, فالذاكرة مازالت تحتفظ بالحرب على الشيوعية في أفغانستان وكيف تم حشد الشباب للقتال وتعبئتهم بالفكر الجهادي, فالدين كان السلاح في الحرب في أفغانستان, والدين نفسه هو السلاح المستخدم بين الشباب المنتمي للتنظيمات الإرهابية. فالتوظيف السياسي للدين ساهم في الأزمة التي نواجهها، ولا يبدو أن عقول المتصدين للإرهاب قادرة على استيعاب لب ثقافة العنف التي تلاقي القبول لدى الشباب المسلم. الدين لا يمكن ضبط أفكاره على هوى النظام السياسي, ولا يمكن أن نستمر في تقديم تفاسير تساند السلطة, فنفس الأفكار الدينية قد تستخدم يوماً ضد الأنظمة، وبالتالي نحن في حلقة مقفلة لا يمكن كسرها إلا من خلال الاعتراف بالأخطاء ومواجهة الواقع بأدوات عقلانية قائمة على فكرة الاحترام والعدالة. أما منطق القوة والضرب بيد من حديد، فلن يجدي مع من يرى حياته تبدأ مع الموت!