لقد حان الوقت لصناع السياسة وأعضاء الاتحاد الأوروبي الخمسة والعشرين، فضلاً عن قادة سبعين مليونا من الأتراك أن يأخذوا نفساً عميقاً ويرجعوا قليلاً إلى الوراء ليفكروا بروية فيما إذا كان من الحكمة في شيء أن تمنع تركيا، أو تعرقل جهودها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ورغم تأكيد تركيا بحكومتها ورجال أعمالها المساندين للغرب، وبجيشها ذي التوجه الغربي والعلماني على التزامها بدخول الاتحاد الأوروبي، إلا أن هناك عدداً غير قليل من السياسيين، الذين كانوا طيلة العقود السابقة مع انضمام تركيا إلى النادي الأوروبي، بدأوا يعبرون في الآونة الأخيرة عن تشككهم في إمكانية حدوث ذلك بسبب الرفض المستحكم بين الأوساط الأوروبية. ويبقى الإشارة إلى أن الاعتبارات الاستراتيجية والإنسانية تؤيد محاولات تركيا ولوج النادي الأوروبي إذا ما أوفت بالشروط الأوروبية المطلوبة منها. ويأتي إرجاء وزراء الاتحاد الأوروبي النظر في تقرير يبت في مدى التقدم الذي أحرزته تركيا من 24 أكتوبر إلى 8 نوفمبر ليمنح ما يكفي من الوقت أمام السياسيين الأوروبيين لتقليب موضوع انضمام تركيا من جميع النواحي. ويصر المدافعون عن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بأن تطبيق تركيا للقوانين الأوروبية من شأنه تشجيع الاستقرار الاقتصادي، فضلاً عن ترسيخ هياكل سياسة قوية. ورغم الأصوات الرافضة لتركيا التي تتعالى داخل أوروبا اليوم، فإن الوضع لم يكن دائماً على هذا النحو، حيث سبق وأن وجهت فرنسا سنة 1959 دعوة إلى تركيا للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية السابقة على الاتحاد الأوروبي كعضو شريك، ووافقت عليه أنقرة سنة 1963. واليوم يدعو نيكولا ساركوزي وسيجولين رويال المرشحان في الانتخابات الرئاسية الفرنسية لسنة 2007، فضلاً عن سياسيين آخرين من النمسا يستعدون لخوض انتخابات في بلدهم إلى منح تركيا وضع "العلاقة المميزة"، أو الشراكة التي لا ترقى إلى الانضمام الكامل. ويذكر أن تركيا بدأت تدق أبواب الاتحاد الأوروبي عندما تقدمت لأول مرة بطلب الانضمام إلى المجموعة الأوروبية سنة 1987. وعلى امتداد عقد من الزمن، قوبل طلب تركيا بالرفض المستمر بسبب العلاقات المتوترة بين الحكومة التركية واليونان، لا سيما فيما يتعلق بالنزاع حول قبرص إثر احتلالها من قبل أنقرة سنة 1974. وفي التسعينيات من القرن المنصرم التحقت تركيا بالاتحاد الجمركي الأوروبي وألغت العديد من الرسوم التجارية في وجه أعضاء الاتحاد. وقد عرفت الجهود التركية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قفزة نوعية سنة 2002 عندما وصل إلى السلطة حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي والمؤيدة لدخول النادي الأوروبي، حيث قام بكل ما يلزم من إصلاحات لتأهيل ولوج تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الإطار دفع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان نحو المزيد من الإصلاحات الجريئة مثل إلغاء عقوبة الإعدام، وحظر ممارسة التعذيب، كما عمل على تأمين الحقوق الأساسية للأقلية الكردية في البلاد. لكن الجهود المتواصلة والإصلاحات الدؤوبة التي بذلتها تركيا في الفترة السابقة لم تمنع من تراجع تأييد انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي سواء لدى الساسة الأوروبيين، أو نظرائهم الأتراك، حيث انخفض معدل شعبية دخول تركيا إلى الاتحاد إلى أقل من 50%. فالنمسا مازالت تتذكر دورها التاريخي في القرن السابع عشر عندما وقفت حجرة عثرة أمام الغزو العثماني لأوروبا الغربية. كما أن بعض المعلقين يعارضون انضمام تركيا التي يصل نسبة سكانها المسلمين إلى 99.8% الأمر الذي يرسخ صفة "النادي المسيحي" التي يرددها بعض الأتراك والأوروبيون على حد سواء. ويضاف إلى ذلك المخاوف المتصلة بهجرة العمال الأتراك إلى أوروبا الغربية ومزاحمتهم لنظرائهم في تلك الدول. هناك أيضا مسألة التحفظ المتعلق بالأراضي التركية الواقعة في أوروبا والتي لا تتعدى 3% من مجموع الأراضي التركية، وهو ما يفتح نقاشاً محتدماً حول الحدود الجغرافية للاتحاد الأوروبي. وينتقد بعض الأوروبيين إقدام تركيا على إغلاق بعض الصحف وتضييقها على الأصوات المعارضة مثل ما تعرض له الروائي "أورهان باموك" الذي اتهم بسب القومية التركية، فضلاً عن منع النقاش حول المجازر التي ارتكبت ضد الأرمن بين 1915-1917. بيد أن المشكلة الأساسية التي تعرقل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي تتمثل في قبرص، إذ تحث الدول الأوروبية تركيا على الاعتراف بجمهورية قبرص الواقعة تحت حكم اليونان من خلال فتح المطارات والموانئ التركية أمام الطائرات والسفن القبرصية، وهو ما ترفضه بشدة الحكومة التركية حتى الآن. ومن ناحيتها تطالب تركيا الاتحاد الأوروبي برفع حصاره الذي يفرضه على شمال قبرص التابع لها وفتح المجال أمام تدفق المساعدات إلى اقتصاد قبرص الشمالية. لكن الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي يرفض رفع الحصار لأن ذلك يشكل اعترافاً رسمياً بالحكومة التركية في قبرص. واللافت أن الحكومة اليونانية، ورغم المعارضة الشعبية، تدعم انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بهدف تطوير العلاقات مع جارتها وخصمها القديم. وليست اليونان وحدها من تؤيد دخول أنقرة إلى النادي الأوروبي، بل هناك أيضاً ساسة أوروبيون بارزون مثل وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر الذي كتب في 27 من شهر سبتمبر الماضي مقالاً في إحدى الصحف الألمانية، يدافع فيه عن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لما لذلك من أهمية في مد الجسور بين العالمين الإسلامي والغربي. ـــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"