"غزالة شاهين" باكستانية عمرها 24 سنة من "مولان" جنوب البنجاب تعرضت لاغتصاب جماعي من قبل مجموعة من الوحوش الذين ما زالوا طلقاء أحرارا ولا يمسهم القانون الذي تظلمت إليه غزالة. حدث هذا في شهر أغسطس الماضي، عندما اختطفت غزالة مع أمها في قريتها يوم اقتحم 11 مسلحاً مسلماً يرتدون زي رجال الأمن بيتها, وضربوا أبيها وأخوتها ثم انتزعوها وأمها من بينهم, واقتادوهما إلى قرية أخرى لعدة أيام وتناوبوا على اغتصاب "غزالة" وضربها وإهانتها. السبب وراء عملية الاغتصاب الهمجية هو أن عم "غزالة" هرب مع امرأة (برضاها) تنتمي إلى قبيلة المغتصبين, وهي قبيلة تعتبر نفسها "أرفع مقاماً" من قبيلة "غزالة" وعمها التي يُنظر لها من قبلهم على أنها قبيلة وضيعة. ولمعاقبة العم وقبيلته كلها، قررت القبيلة "الرفيعة" اختطاف "غزالة" وإنزال أكبر إهانة في قبيلتها وعائلتها، لأن "غزالة" هي المرأة الوحيدة التي أكملت تعليمها العالي في تلك القبيلة، وحصلت على وظيفة معلمة في إحدى مدارس القرية، وكانت محط افتخار عائلتها الصغيرة. بعد عملية الاغتصاب الوحشي و"العار" الذي لحق بغزالة وقبيلتها، قررت المدرسة فصلها من العمل والاستغناء عن خدماتها عقابا لها على أنها اغتصبت! تفاصيل وحيثيات الاغتصاب وعلنيته وتواطؤ القانون مع الجناة، وصمت المسلمين في باكستان وخارجها عن هذه الجريمة، وما شابهها يجب أن يثير الكثير من الأسئلة والتأمل المرير. سؤال الصمت الشعبي وعدم الاكتراث وانعدام الحساسية الإنسانية لمؤازرة فتاة بريئة هي نموذج لحالات لا تعد ولا تحصى في أنحاء باكستان وأجزاء أخرى من العالم الإسلامي هو السؤال الأهم. لماذا يثور المسلمون إزاء بعض القضايا ثم يلفهم الصمت المذهل إزاء قضايا أخرى. ما الذي يقدم ويؤخر الأولويات والحساسيات على أجندة الوجدان المسلم؟ لماذا لم تخرج مظاهرة واحدة مكونة من عشرة أشخاص احتجاجاً على الظلم المريع الذي تعرضت له "غزالة شاهين"؟ ولو سألنا السؤال أيضاً بطريقة أخرى كالتالي: أية قضية كانت ستثير غضب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أكثر: الاغتصاب الجماعي المتوحش لـ"غزالة شاهين" ثم تواطؤ القانون مع مغتصبيها لأنه يشترط وجود أربعة شهود وقت الاغتصاب, أم الرسم الكاريكاتوري الدنماركي, أم حتى خطبة البابا واستشهاداته السخيفة؟ ولماذا ينتشر الصمت وعدم الاكتراث في الشارع الإسلامي إزاء القضايا الكبرى مثل تواصل الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الوحشية ضد الفلسطينيين, والقتل اليومي بالعشرات للعراقيين, ثم فجأة تهب الثورات الشعبية على مسألة عابرة هنا أو هناك؟ قضية "غزالة شاهين" ليست قضية فردية، بل حالة ووضعية اجتماعية مقلقة تنخر مجتمعات العالم الإسلامي. وهي حالة يجب أن تدق ناقوس الخطر الفكري والسياسي والأخلاقي لدى المسلمين، لأنها تطرح أسئلة يحاول كثيرون التهرب منها, بكونها أسئلة جارحة، وتنبش في التخلف الراهن الذي نحياه في المجتمعات الإسلامية, ولا نريد الاعتراف به، ومن ثم مواجهته ومعالجته. "غزالة شاهين"، هي العنوان لقضايا كثيرة وعريضة وشبيهة لها. فقد كانت "مختاران مي", وهي باكستانية أخرى عمرها 29 سنة, قد تعرضت في العام الماضي لاغتصاب جماعي مماثل من قبل ستة وحوش، لأن أخاها الذي عمره 12 سنة شوهد برفقة فتاة من قبيلة "أرفع مقاماً", مما أثار غضب ونقمة رجال تلك القبيلة و"مجلس حكمائها" الذي قرر بعد اجتماع غاضب اغتصاب شقيقة الولد, وأرسل ستة من أشاوس القبيلة لتنفيذ القرار. ولنتأمل في الأسئلة الاجتماعية والأخلاقية والسياسية التي تطرحها جريمة اغتصاب المجتمع المسلم بكامله متمثلة باغتصاب غزالة شاهين: - قوة المجتمعات تنبع من قوة النظام الاجتماعي فيها، والذي يُعلي ويحافظ أولاً وثانياً وآخراً على كرامة الأفراد فيه. فلا قوة حقيقية لمجتمع مهما امتلك من وسائل مناعة عسكرية وغيرها إنْ كانت كرامة الفرد فيها مداسة. لهذا فلا فائدة مستقبلية أو راسخة, ولا مستقبل حقيقيا لدولة تمتلك السلاح النووي لكنها لا توفر الحد الأدنى من احترام حقوق الإنسان لأفرادها, وخاصة الإناث لأنهن الضحايا الأسهل عبر التاريخ. ترسانة باكستان النووية لا تفيد "غزالة شاهين" بأي شيء. وعلى المنوال نفسه رأينا كيف أن ضعف عراق صدام حسين كان في طحن كرامة العراقي رغم الجبروت العسكري, وأنه في لحظة الجد، فإن الفرد المهان هو الذي يدير ظهره وقت المعركة, وعندها لا يفيد السلاح. -التشريعات القانونية التي تكرس وجود "حالة غزالة شاهين" في العديد من البلدان العربية تزعم أنها تعتمد على الشريعة الإسلامية, وقد آن الأوان لتغيير هذه التشريعات جذرياً. فرغم أن غزالة شاهين, مثلاً, تعرف وجوه وأسماء مغتصبيها المجرمين، فإنها لن تستطيع أن تراهم يحاكمون في المحكمة بتهمة الاغتصاب لأن التشريع هناك يُطالب بوجود أربعة شهود رجال. وكأن المشرع لم تصله أخبار العلم وفحوص الـ DNA التي بإمكانها إثبات أو نفي الجريمة عن هذا أو ذاك. وفي السياق نفسه، فإن القوانين الجزائية المخففة بشأن كل ما له علاقة بالاعتداء أو حتى بقتل المرأة تحت مزاعم الشرف، هي عار في وجه أي دولة أو مجتمع إسلامي حديث, ويجب أن تلغى كلياً. "قتل الشرف" الحقيقي في جانب الرجال الذين ينتفخون بطولة وشرفاً هو إعلان الرجولة على الإناث الضعيفات في المجتمعات الإسلامية, ثم الخضوع المخجل لكل ما من شأنه أن يمس بالشرف سواء من قبل الأنظمة المستبدة أو الاحتلالات الخارجية المستمرة. -رجال الدين في المجتمعات الإسلامية والحركات الإسلامية المسيطرة على الفضاء الاجتماعي وصمود الحس القبلي وبعض الحكومات التي تزايد على هؤلاء وهؤلاء هم جميعا مسؤولون عن استمرار انحطاط التشريعات القانونية المنسوبة للشريعة الإسلامية والمضادة للمرأة خصوصاً, ولتقدم المجتمع عموماً. كما أنهم مسؤولون عن بقاء الارتباك المدهش في أجندة الوجدان المسلم حيث تُعطى بعض القضايا الهامشية أحجاما أكبر مما تستحق, بينما تركل القضايا التي لها علاقة بكرامة الأفراد جانباً. - ما سبق يشير كله إلى أس آخر من أسس الفشل التاريخي الراهن لكثير من مجتمعات العرب والمسلمين, وهو الفشل في ترسيخ بناء دولة القانون والمواطنة. فعلى الرغم من مرور أكثر من ستين عاماً في المعدل العام على قيام هذه الدولة, فإن أنماط العلاقات بين الأفراد والسلطة والقانون والشرائح الاجتماعية ما زالت محكومة بالممارسات القبلية والطائفية والإثنية فضلاً عن المحسوبيات والفساد المرافق لأي سلطة ودولة. وهذا كله يقيم نظاما "شبه قانوني وعرفي" موازيا لنظام الدولة وقانونها الذي يعلن عبر دساتير كل الدول المسلمة عن المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.