مع بدء العد التنازلي لموعد انتخابات المجلس الوطني الاتحادي آخر هذا العام، ازداد اهتمام الشارع الإماراتي بهذه التجربة التي أريد لها أصلاً أن توسِّع من المشاركة الشعبية، وتعبِّر عنها خير تعبير. ولا أحسب أن هناك حاجة إلى القول إن اقتراب موعد استحقاق سياسي بهذا القدر من الأهمية يجعل الكُرة الآن، إن جاز التعبير، في مرمى المواطن الناخب. فعلى رأي هذا الناخب اليوم تتوقف العملية برمتها، وفي ضوء ما ستسفر عنه توجهات الناخبين المعبَّر عنها في صندوق الاقتراع، ستأتي النتائج، وإسقاطاتها المستقبلية، إيجاباً أو سلباً. ومهمة الناخب الإماراتي، بهذا المعنى ليست سهلة –ولكنها أيضاً ليست صعبة-، على كل حال، خاصة بالنظر إلى جدَّة التجربة، وأيضاً حجم التحدي الذي جاء بمبادرة من القمة، أعني من صانع القرار نفسه. ويزداد التحدي كذلك، إذا وضعنا في الاعتبار ضرورة تلافي بعض الإسقاطات السلبية التي رافقت تجارب مماثلة عرفتها دول إقليمية أخرى عديدة، ويفترض فينا نحن اليوم الاستفادة من ثغرات وإخفاقات وأحياناً محدودية نتائج تجاربها السابقة علينا، والتي نعرف عنها الآن الكثير. ومن منطلق أن العبرة بالنتائج فقط، فنحن نتحرك بخطوات ثابتة ورؤى طموحة، ما في ذلك شك، ولكنْ في مناخ إقليمي حافل بعوامل الفِرقة ووصفات الفشل والتجاذب وأسباب التنازع، ولذا فلابد أن تكون كل خطوة نخطوها محسوبة ومتزنة ومدروسة بالقدر الكافي، بحيث تصبح مضمونة النتائج الإيجابية قدر المستطاع، فلا مكان في تجربتنا الرائدة للفشل، ولا لـ"أنصاف النجاحات"، كما حدث مع تجارب بلدان إقليمية أخرى عديدة. فخطوتنا الحالية نريد لها أن تكون مدخلاً حقيقياً لترسيخ المشاركة، وتمهيداً عملياً قائماً على أسس قوية ودعائم متينة لاستكمال بقية خطوات برنامج التمكين، الذي أعلن عنه قائد المسيرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله ورعاه". وغني عن التوضيح أن تركيبة المجلس ستكون أفضل إذا ما قرر الناخبون اختيار طيف واسع من الوجوه والأسماء، من مختلف الخلفيات التخصصية والفاعليات الاجتماعية والاقتصادية، فمثل هذا التنوع عادة من المرشحين هو الذي يستحق من الناخب توليته مهمة عامة وخطيرة كعضوية المجلس الوطني. وهو الكفيل موضوعياً وإجرائياً بوضع أسس الشراكة الكاملة بين الجميع لمصلحة الوطن، ولخدمة أبناء هذه الدولة الفتية. وعليه فإن تحكيم المصلحة الوطنية العليا ينبغي أن يكون هو مرجعية ومبدأ وأساس كل واحد منا، ناخباً كان أم مترشحاً. إن تجربة دولتنا الحبيبة تعد اليوم مثالاً يحتذى في أدائها الاقتصادي المُبهر، وفي حجم المُنجز سياسياً واقتصادياً، وما حققته وتحققه الآن من تقدم متواصل وبخطوات ثابتة ورؤى مدروسة وواضحة، لابد أن ينال من المواطنين ما يترتب عليه من اجتهاد وإخلاص وتعلق بمعاني التجربة الراقية نفسها وبمقاصدها الوطنية الرفيعة، ولأنه لدينا الآن الكثير من المكاسب والنجاحات المتتالية التي لابد من الحفاظ عليها. وهنا المِحك، وجوهر التحدي المشار إليه أعلاه على طريق ترسيخ ثقافة المشاركة وتأسيس التقاليد الانتخابية السليمة. فلابد من وقفة مَليَّة مع النفس يقفها كل ناخب، قبل أن يقرر لمن سيصوِّت في يوم الاقتراع، ومع من سيقف طيلة أيام الحملة الانتخابية، فعلى المسألة تتوقف مصلحة وطن وشعب بكامله، ولذا فلابد أن يوضع فيها الولاء للوطن، وللوطن وحده، فوق كل اعتبار وقبل كل ولاء أضيق، أو أي رهانٍ آخر، كما أن العمل على رفد أداء التجربة المرتقبة بكل عوامل النجاح والفاعلية أمر يبدو الآن ضرورياً، وقد يكون تطوير النصوص الدستورية ذات الصلة بمجال تحرك وبآليات عمل المجلس الوطني، مدخلاً جيداً وطريقاً سريعاً ومضمون النتيجة لإعطاء دفعة قوية للتجربة وما هو منتظر منها من نجاحات تليها نجاحات، بإذن الله.