ستكون وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في الشرق الأوسط مرة ثانية هذا الأسبوع، بيد أن الأمر غير الواضح هو سبب وجودها هناك وما الذي تأمل في تحقيقه. هل لديها مثلاً خطة عمل لحل بعض الصراعات المزمنة في المنطقة؟ هل حصلت على دعم شخصي قوي من الرئيس جورج بوش؟ هل تحمل معها عصا غليظة كما يليق بمسؤولة الشؤون الخارجية لأعظم قوة في العالم؟ هل ستستخدم بعض العضلات الأميركية الحقيقية، لإجبار الفرقاء المعنيين في الشرق الأوسط على الجلوس معا والتفاوض؟ أم أن ما ستقوم به ليس إلا ممارسة في حقل العلاقات العامة هدفها تحسين صورة أميركا التي أصبحت في حالة تدعو للرثاء في العالم العربي والإسلامي؟ أم أنها تأتي في نطاق مهمة "لاستكشاف" الموقف وتوزيع القليل من سحرها المشكوك فيه هنا وهناك؟ هذه الأسئلة مشروعة لأن الشرق الأوسط- حتى بالنسبة لأقل المراقبين قدرة على الملاحظة- نادراً ما كان في مثل هذه الحالة المتقلبة التي هو عليها الآن. وفيما يلي بعض من التهديدات الأكثر مباشرة في المنطقة: - هناك تقارير مستمرة تصدر من واشنطن- ويتم التقاطها وتضخيمها في الصحافة الأميركية- مفادها أن الولايات المتحدة تعد العدة لمهاجمة إيران وتدمير منشآتها النووية. في الظروف العادية، فإنه قلما يمكن لأحد أن يصدق أن مثل هذا العدوان السافر يمكن أن يحدث، لأنه إن حدث فسيكون عملاً من أعمال الجنون التي تشعل النار في المنطقة بأسرها. هناك نوع من الشك المرضي في الولايات المتحدة وإسرائيل حول البرنامج النووي الإيراني، لدرجة تدفع للظن بأن كل شيء قد أصبح وارداً، حتى الأشياء التي لا يمكن التفكير فيها. ويضاف لذلك أن الولايات المتحدة تتعرض لابتزاز مستمر من جانب إسرائيل بأنها إذا لم تقم بمهاجمة إيران فإنها أي إسرائيل ستقوم بذلك نيابة عنها. -أما العراق، فهو يعاني من آلام حرب أهلية طائفية شريرة تتفاقم يوما بعد يوم، وتزداد تعقيداً بسبب حملة واسعة النطاق تجري هناك للتطهير العرقي. ونظرا للخوف من أعمال القتل التي تتم من دون تمييز، فإن السكان يقومون بالفرار من المناطق المختلطة إلى المناطق التي يقطن بها إخوانهم في الطائفة. أما الولايات المتحدة، فهي بعد أن قامت بتدمير العراق، أصبحت لا تدري هل ترحل أم تبقى؟ وعلى ما يبدو أنها أصبحت عاجزة على القيام بهذا أو ذاك بأي درجة من الوضوح والعزم. نظرا للقمع الإسرائيلي القاسي، والمنافسة اللدودة بين "فتح" و"حماس"، فإن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة- وخصوصاً في قطاع غزة- أصبح على شفير انفجار كارثي، علاوة أن البؤس المريع الذي يعيش فيه السكان الفلسطينيون، أصبح يمثل وصمة عار لا تمحى على ضمير العالم، وخصوصاً الولايات المتحدة الداعم الرئيسي لإسرائيل. -لا يزال لبنان يحاول جاهداً التعافي من آثار الحرب التي شنتها عليه إسرائيل واستغرقت 34 يوماً. والمأساة هنا أن تلك الحرب لم توحد الأمة اللبنانية، حيث عادت الفصائل المختلفة والمجموعات الطائفية كي تمسك بخناق بعضها بعضا من جديد، مع استمرار شبح العودة في أي وقت إلى الحرب الأهلية قائماً. وهذه الأزمة تبين مرة أخرى مدى ضعف الدولة اللبنانية وهشاشة النظام الذي تستقر عليه. كما تبين أن لبنان يحتاج إلى إصلاح سياسي جذري وتجديد لقيادته السياسية، ولكن من الذي يستطيع أن يقوم بهذه المهمة؟ على ما يبدو أن الذي يستطيع القيام بذلك هم نفس الرجال الموجودون في السلطة الآن. - مسارات السلام العربي الإسرائيلي الثلاثة: الإسرائيلي- الفلسطيني، والإسرائيلي- السوري، والإسرائيلي- اللبناني مجمدة في الوقت الراهن دون أن تلوح بارقة أمل في استئناف حركتها من جديد. هذه هي بعض المشكلات العاجلة التي ستواجه كوندوليزا رايس أثناء زيارتها للمنطقة. والولايات المتحدة وحليفتها الإسرائيلية متورطتان مباشرة في معظم هذه المشكلات، بل إن الحقيقة هي أنهما مسؤولان عن خلقها منذ البداية. طالما أن الأمر على هذا النحو فما الذي تنوي "رايس" فعله؟ هل ستصر على ضرورة قيام إسرائيل بإيقاف اغتيال الفلسطينيين المدنيين الأبرياء، وإيقاف توسيع مستعمراتها، وإلزام نفسها بتدشين دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة؟ والإجابة هي أنه ليس هناك ما هو أبعد عن ذهن كوندوليزا رايس من هذه الأشياء؟ إذن هل تنوي طمأنة دول الخليج بأن أميركا ليس لديها نية في مهاجمة إيران وتعريض تدفق النفط الذي يمثل شريان الحياة بالنسبة لهذه الدول لأي مخاطر؟ لا بالتأكيد، لأن بوش نفسه قال إن الخيار العسكري للتعامل مع طهران مطروح على الطاولة. هل تدرك "رايس" أن سوريا تحتاج إلى من يطمئنها بأنها ستسترد الجولان قبل أن تقوم بإلزام نفسها بدور لتحقيق الاستقرار في المنطقة؟ هل استوعبت وزيرة الخارجية الأميركية أن إيران لديها هموم وطموحات شرعية معينة؟ هل تدرك أن "حزب الله" هو حركة مقاومة تمثل ربع تعداد سكان لبنان؟ وأنه من دون "حزب الله" لكانت إسرائيل لا تزال حتى اللحظة الحالية تحتل جنوب لبنان كما احتلته من قبل على مدار 22 عاما كاملة. لا يبدو أن أيا مما سبق يمثل هماً أو أولوية لدى كوندوليزا رايس. فقبل أن تغادر واشنطن أفصح "شين ماك كورماك" المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عن رؤية الوزيرة للأشياء. فعلى العكس من الاعتقاد السائد- كما قال المتحدث- فإن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لم يعد يمثل لب أزمة الشرق الأوسط، وإنما الذي يمثل ذلك اليوم هو الصراع بين "المعتدلين" و"المتطرفين"، والدكتورة "رايس" ترى أن مهمتها الرئيسية هي حث المعتدلين على الاتحاد في وجه المتطرفين. يعني هذا بعبارات صريحة أن مهمة وزيرة الخارجية هي محاولة حشد مصر والأردن والسعودية، ودول الخليج ضد إيران، وسوريا، و"حزب الله"، و"حماس". ربما يكون هذا هو ما تطالب به إسرائيل وأصدقاؤها، ولكنه لا يجب أن يكون هو ما تقوم به الولايات المتحدة، لأنه لن يؤدي إلى حل صراعات المنطقة القديمة، وإنما سيؤدي فقط إلى خلق صراعات جديدة، وهو ما يدفعني للقول إنه كان من الأفضل لو بقت كوندوليزا "رايس" في الوطن.