في مكان ما على الحدود الأفغانية الباكستانية لا بد أن يكون قادة "طالبان" وحلفاؤهم يشعرون بالرضا على ما يجري حالياً في أفغانستان. فعندما زار رئيسا البلدين الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي انخرطا في تبادل محرج للتهم أمام الجمهور، محملين بعضهم البعض مسؤولية تجدد العنف في أفغانستان. وهو العنف الذي تسبب في مقتل المئات من الأفغان في العام الجاري، وزعزع ثقتهم في الحكومة الجديدة بكابول. وهكذا اتهم حامد قرضاي برويز مشرف بالفشل في ملاحقة "طالبان" والقضاء عليها، بينما رد عليه مشرف واصفاً إياه "بالنعامة" التي تدفن رأسها في الرمال وتتجاهل المشاكل المتفاقمة من حولها. وأخيراً لم يجد الرئيس بوش بداً من التدخل لوقف التراشق الكلامي وتبادل التهم، حيث استضاف الرجلين في حفل عشاء نظمه بالبيت الأبيض على شرفهما محاولاً تبديد أجواء التوتر وتعزيز جبهة موحدة ضد "طالبان". وقد أكد الرئيس بوش في حفل العشاء، بينما يقف القائدان في صمت إلى جانبه، قائلاً إننا "نواجه العديد من التحديات التي يتعين علينا رفعها لحماية بلداننا، وعلينا أيضاً العمل سوية لكي يصبح العالم أكثر أمناً". وتأتي المشادات الكلامية التي دارت بين رئيسي باكستان وأفغانستان لتزيد من الضغوط التي تنوء تحتها الإدارة الأميركية والمتصلة بالانتقادات الموجهة لجهودها المبذولة في أفغانستان. وهي الجهود التي كانت حتى أشهر قريبة تقف على نقيض العنف المستفحل في العراق. ويتهم بعض أعضاء الكونجرس الأميركي، ومسؤولون سابقون في الإدارة الأميركية الرئيس بوش وأعوانه بإضاعة فرصة ثمينة لفرض الاستقرار في أفغانستان وإعادة بناء البلاد على أسس متينة. وفي هذا السياق يقول "جيمس دوبنز"، مبعوث خاص سابق لإدارة بوش إلى أفغانستان "مازلت أعتقد بأن المهمة قابلة للإنجاز، لكنها ستكون أصعب وأطول، فضلاً عن أنها ستكلف الكثير بالنظر إلى الفرص السابقة التي تمت إضاعتها". وحسب الخبراء والمسؤولين السابقين لا تكمن المعضلة في عدد القوات الأميركية المنتشرة في البلاد، ولا في "أمراء الحرب" الأفغان الذين يؤججون العنف، بل تكمن في ثلاث مشاكل تبرز على الساحة وتحتاج إلى حل سريع. ويمكن توزيع المشاكل على ثلاثة محاور أساسية تتمثل في ضعف قوات الأمن الأفغانية وعجزها عن مواجهة التمرد، وانتشار تجارة الأفيون على نطاق واسع، ثم بروز شائعات حول تغاضي السلطات الباكستانية عن أنشطة "طالبان" فوق أراضيها. ويضاف إلى تلك المشكلات الثلاث معضلة رابعة تتجسد في التشكيك الذي بدأ ينتشر بين الأفغانيين والباكستانيين حول مدى جدية الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي في البقاء بأفغانستان واستكمال مهمتهم. فكلما بدا الأمر وكأن القوات الأميركية على وشك الرحيل، كلما صعب إقناع المواطنين الأفغان بالتعاون مع القوات الحكومية للقضاء على "طالبان"، كما لن يمتثل المزارعون لمطالب التخلي عن زراعة الأفيون التي توفر لهم دخلاً جيداً. وربما الأهم من ذلك مراهنة الباكستانيين على عودة "طالبان" مجدداً لتضطلع بدور الوكيل في مواجهة النفوذ الهندي في أفغانستان. غير أن المسؤولين الأميركيين يخرجون تلك السيناريوهات المخيفة من حسابهم ولا يرون في الجهود الأميركية بأفغانستان سوى النجاح. وهم يرجعون العنف الحالي إلى خطط قوات حلف الشمال الأطلسي توسيع سلطة الحكومة المركزية في المناطق البعيدة التي دأب مقاتلو "طالبان" وزارعو الأفيون على استخدامها كملاذ آمن. ويضيف المسؤولون الأميركيون أن هجمات "طالبان" تتركز في المناطق الجنوبية للبلاد وبأنها ستهزم لا محالة. وفي المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده الرئيس بوش والرئيس قرضاي يوم الثلاثاء الماضي أشار الرئيس الأميركي إلى أنه "في الشهور الأخيرة حاولت "طالبان" والعناصر المتشددة إعادة سيطرتها على جنوب البلاد، لكننا قمنا بتغيير تكتيكنا وتبنينا موقفاً هجومياً للتصدي لخطرهم ودحرهم". ومع ذلك يذهب العديد من أعضاء الكونجرس والخبراء الأميركيين إلى ضرورة قيام الولايات المتحدة بحركة كبيرة مثل مضاعفة الدعم الأميركي لجهود إعادة الإعمار في أفغانستان. وانتقد هؤلاء الخبراء أيضاً قيام الولايات المتحدة بخفض المساعدات إلى 30% خلال العام الماضي وتسليم المهمة الأمنية لقوات حلف شمال الأطلسي. وفي هذا الصدد يؤكد "بارنيت روبن"، أستاذ بجامعة نيويورك وخبير في الشأن الأفغاني على ضرورة قيام الإدارة الأميركية "بأمر حاسم لإقناع الناس بأننا مازلنا ملتزمين تجاه بلادهم". وتشكل الشرطة الأفغانية فرصة مناسبة لتجديد التزامنا بأفغانستان، وهو ما ركز عليه قرضاي نفسه في مؤتمر صحفي عقده بنيويورك في 21 من شهر سبتمبر الماضي أشار فيه إلى أن الفشل في خلق قوة أمنية محترفة يعد أحد الأخطاء التي حالت دون القضاء على عناصر "طالبان"، مشددا على ضرورة مواصلة تدريب قوات الشرطة وتهييئها للمواجهة. ويُشار إلى أن قوات الشرطة الأفغانية التي كانت تقدر سنة 2001 بـ80 ألف عنصر تعاني من ضعف التجهيزات واقتصارها على بعض الآليات السوفييتية القديمة. وتتشكل تلك القوات أساساً من ضباط سابقين تلقوا تدريبهم على يد القوات الروسية، أو المجاهدين الذين حاربوا الاتحاد السوفييتي، فضلاً عن الرجال المسلحين الذين ينتسبون إلى أمراء الحرب الأفغانيين. وبحلول 2002 تعهدت الولايات المتحدة بتدريب قوات الجيش، فيما تعهدت ألمانيا بتدريب قوات الشرطة، لكن ألمانيا لم ترسل سوى 40 مدرباً وركزت على تشكيل قوة صغيرة يصل قوامها إلى 3500 عنصر، ثم فتح أكاديمية واحدة للشرطة. وإلى جانب ضعف قوات الشرطة وافتقارها للتدريب المناسب تبرز مشكلة زراعة الأفيون وانتشارها الواسع في أفغانستان هذه الأيام. وفي هذا الإطار أعلنت الأمم المتحدة الشهر الماضي بأن زراعة الأفيون في أفغانستان سجلت رقماً قياسياً خلال السنة الجارية بزيادة قدرت بـ50% مقارنة مع السنة الماضية. وتنتج أفغانستان 92% من نبتة الخشخاش في العالم التي يستخرج منها الهرويين، والأكثر من ذلك يشير المسؤولون الأميركيون إلى وجود تحالف في الجنوب أقيم بين تجار المخدرات و"طالبان". ديفيد رود عضو هيئة تحرير "نيويورك تايمز" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"