مسؤولو بورصة دبي غاضبون من الصحافة الاقتصادية المحلية، ويتهمونها بسوء تغطية أخبار البورصات المحلية، ويطالبونها باقتفاء أثر صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية العريقة في تغطيتها أخبار البورصات العالمية. هذه الانتقادات لا ينبغي أن تغضب الصحفيين الاقتصاديين في الدولة، لأنها بالنهاية تعبّر عن رأي القائمين على البورصات في المعالجات الإعلامية، وهو رأي يضمن سريان حرارة الحوار والنقاش في الطرف الآخر المقابل من معادلة الاتصال الجماهيري، وهذا ما يضمن فاعلية المجتمع والشفافية وكشف الثغرات وأوجه الخلل. أما عن مدى مضمون هذه الانتقادات، فالمراقب يدرك للوهلة الأولى أن التخصص والمهنية غائبان عن أداء الصفحات الاقتصادية في الصحف المحلية، بحيث يصعب في ظل هذا الأمر أن نقطع بأننا نمتلك بالفعل صحافة اقتصادية متخصّصة تتناسب مع المكانة الرفيعة التي يتمتّع بها والطموحات المتزايدة التي يسعى إليها الاقتصاد الإماراتي. واللافت أن الانتقادات تتركز على "الشكل" دون "المضمون"، فالتركيز يتم على الأسلوب اللغوي والمفردات والتعبيرات الصحفية المستخدمة في الحديث عمّا يجري داخل أروقة البورصات، ولكن المشكلة لا تقتصر عند حدود استعارة مفردات عسكرية أو النفخ والتضخيم في آراء بعض المنتسبين إلى دائرة التحليل الاقتصادي، الذي بات يعجّ بعشرات الأسماء التي تفتقر إلى العلم والدراية والخبرة التي تؤهّلها لإبداء الرأي والتحليل وتوجيه المستثمرين والتأثير في حركة السوق، وكل هذه ليست "أعراضاً" للداء الحقيقي الذي تعانيه صحافتنا المحلية في أدائها الاقتصادي، فالمسألة لا تتعلق بالدقة بقدر ما تتعلّق بالتخصّصية والاحتراف المهني في هذه النوعية من الإعلام. صحيح أن هناك ملاحق اقتصادية متخصّصة، وأن هناك تنافساً على تطوير هذه الملاحق، ولكن الملاحظ أن التطوير يقتصر على الجوانب الإخراجية ولا يطال المضمون، الذي يعتمد في غالب الأحوال على تحليلات مقتبسة من صحف أجنبية وتقارير اقتصادية تبثها وكالات الأنباء العالمية، ومن النادر أن تجد تحليلاً اقتصادياً رصيناً للصحيفة، والأغرب من ذلك أن معظم التحليلات التي تتناول أوضاع الاقتصاد المحلي تأتي من صحف عالمية متخصّصة، وبالتالي يندر أن تنفرد صفحات اقتصادية محلية بتحليل أو تقرير عن الاقتصاد المحلي، بحيث أصبحت جوانب التفرّد والتنافس محصورة في استخدام الألوان وتبنيط المانشيتات والعناوين وحجم الجهد الذي يبذل في اللهاث وراء الأخبار التي تنشر عن الإمارات في مواقع "الإنترنت" ووكالات الأنباء والصحف الأجنبية! الصحافة الاقتصادية لم تعد شأناً نخبوياً في دولة أو منطقة يرتبط الغالبية فيها بالبورصات ويتنفّسون صباح كل يوم أخبار الأسهم واتجاهاتها، والصحافة الاقتصادية المتخصّصة تحتاج إلى خبرات متخصّصة وإلى مزيد من الجهد كي تتماهى مع الطفرات الحاصلة في أداء الاقتصاد الوطني ككل وليس البورصات فقط، وكي تقدّم للقرّاء المتعطشين إعلاماً اقتصادياً يزاوج بين المهنية الإعلامية العالية والتحليل المنهجي واللغة الصحفية الرشيقة، أفضل مما هو سائد حالياً من التغطيات الصحفية التي يغلب على معظمها الأساليب الأدبية والإنشائية التي قد تجذب العيون وتشدّ الانتباه لكنها تبقى محدودة التأثير وذات مردود ضعيف في التعبير عن حقيقة ما يدور داخل قاعات التداول. ولا ينبغي وسط هذا الجدل تأكيد أن وجود الإعلام الاقتصادي المتخصّص بمفهومه المحترف يصبّ بالنهاية في خانة تصحيح التشوّهات والاختلالات التي تشوب الممارسات داخل البورصات ويسهم في التخلّص من الشائعات والتحليلات والآراء الموجّهة ويدعم أجواء الشفافية. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية