ربما يكون أصدق كلام حول موضوع العراق منذ وقت طويل، هو ذاك الذي صدر هذا الشهر عن "نيد لامونت"، مرشح "الديمقراطيين" في ولاية كونتكيت لعضوية مجلس "الشيوخ". فقد تغلب هذا السياسي المبتدئ على السيناتور "جوزيف ليبرمان" في انتخابات الحزب لاختيار من سيمثله عبر التشبث برسالة بسيطة رُددت مراراً، ألا وهي: اسحبوا القوات اليوم. غير أنه عندما سُئل بعد الخطاب الذي ألقاه حول السياسة الخارجية بكلية القانون التابعة لجامعة "يل" بخصوص كيف يعتزم مواجهة التطورات الميدانية في العراق بعد سحب الجنود الأميركيين، قدم "لامونت" جواباً غامضاً يختلف بشكل صريح مع موقف حزبه قائلاً: "أعتقد أننا نواجه اليوم العديد من الاختيارات السيئة". الواقع أن "لامونت" كان مصيباً عندما اعتبر أن قرارات خطيرة تنتظرنا مع ما تنطوي عليه من عواقب وخيمة محتملة بغض النظر عمن يفوز في هذا السجال. غير أنه من الصعب معرفة ذلك من حملة الانتخابات النصفية، وإن كان ذلك بدأ يتخذ ملامح ما يشبه الاستفتاء حول مستقبل الحرب. أما السجال المغرق في التبسيط حول العراق -أي "استمروا في النهج نفسه" أو "أرسلوا المزيد من القوات" مقابل "اسحبوا القوات" أو على الأقل "حددوا أجلاً لسحبها"- فهي سياسة تقوم على أمرين أحلاهما مُر. ذلك أن الخيارين، ولاسيما إذا ما تم الاختيار بدون تروٍّ وتبصر -قد يؤديان إلى ما لا تحمد عقباه. بالنسبة للسياسيين الذين ينصب تفكيرهم اليوم على الحملة الانتخابية، تتغلب الثقة في المقدرات الذاتية دائماً تقريباً على النزاهة الفكرية. غير أنه يمكن للسياسيين الذين يجعلون من الحرب موضوعاً انتخابياً أن يبدأوا بمعالجة المشكلات التي ليست لها حلول سهلة. إذ ينبغي على أولئك الذين يرغبون في سحب القوات الأميركية مثل "لامونت" أن يشرحوا كيف ينوون تفادي أن يتم ملء الفراغ الناتج عن الانسحاب من قبل المتمردين السُّنة والمليشيات الشيعية، مثلما حدث في كل منطقة تم إخلاؤها من قبل قوات التحالف تقريباً. الجنوب الشيعي -مثل أقاليم كربلاء والنجف وميسان، التي اختبرت فيها قوات التحالف أولى تجارب الانسحاب- هي اليوم أرض تعج بالمليشيات، وتخضع لحكم العصابات المسلحة وأمراء الحرب الذين يلعبون دور الساسة. وفي مدينة الحلة، وخلال هذا الصيف، أخبرني القائد العراقي لوحدة ناجحة من الشرطة (وحدة غير طائفية نادرة) تعمل بتعاون وثيق مع القوات الخاصة الأميركية، بأن المسؤولين المحليين يستدعونه بانتظام إلى مكاتبهم للضغط عليه من أجل ضم المزيد من أعضاء المليشيات ضمن قواته، بل وتهديده بالإقالة. وقد نجا هذا القائد من نحو ست محاولات اغتيال على الأقل. وفي مدن العراق السُّنية، حيث أجرت القوات الأميركية أكبر عملياتها منذ سقوط صدام حسين، ما زالت تنتشر عصابات المتمردين الذين فروا أو اختبأوا بين جيرانهم خلال عشرات الغارات الأميركية، ثم عاودوا الظهور بعدما تم خفض أعداد القوات الأميركية. ولعل أفضل مثال على هذا النمط هي مدينة تلعفر، المدينة الشمالية التي وصفها الرئيس بوش بأنها واحدة من قصص النجاح في العراق. حيث قامت القوات الأميركية بشن عمليتي غزو كبيرتين هناك، منهما واحدة شهر سبتمبر كانت الأكبر من نوعها منذ محاصرة الفلوجة. غير أنه في الأسبوع الماضي، قتل انتحاري ما لا يقل عن عشرين شخصاً كانوا ينتظرون دورهم بإحدى محطات الوقود بالمدينة، وهي آخر عملية ضمن سلسلة من الهجمات التي ضربت المدينة خلال الأشهر الأخيرة. يتعين على أولئك الذين يرغبون في الحفاظ على حضور أميركي في العراق -أو حتى تعزيزه- أن يقدموا تفسيراتهم. عليهم مثلاً البدء بتفسير كيف ستُغير إعادة توزيع القوات أو تعزيزها، سواء ببعض الوحدات أو بكتائب بأكملها، ما يعتبر فشلاً لا يمكن إنكاره للقوات الأميركية في السيطرة حتى على المناطق التي تتواجد فيها بكثافة وبأعداد كبيرة مثل بغداد. أما "المخططات الأمنية" الدورية بالنسبة للعاصمة العراقية، التي تقوم عادة على إعادة توزيع آلاف القوات من المناطق النائية، فلم تفلح أبداً في وقف العنف بصفة دائمة. سيرغم أولئك الذين سيتم انتخابهم في نوفمبر المقبل على اختيار ما يعتبرونه "أخف الضررين" بخصوص العراق من ضمن سلسلة من السياسات من المؤكد أنها ستتسبب في آلام. وبعد زيارات متكررة قمت بها إلى العراق منذ 2003، فإن أقوى انطباع احتفظت به -إلى جانب حجم الدمار والمعاناة هناك- هو أنه لن تكون ثمة نهاية يسيرة لهذه الحرب. والحقيقة أنه يجري حالياً إعداد الناخبين لهذا الواقع. إن حواراً جاداً وصادقاً يمثل نقطة بداية جيدة. فإذا كان ثمة شيء تعلمناه من نحو أربع سنوات في العراق، فهو أن التغاضي عن الأسئلة الصعبة هو الطريق المؤكد إلى الفشل. لم يقل "لامونت" في الخطاب الذي ألقاه مؤخراً، والذي يعد من أكثر خطاباته شمولية حول السياسة الخارجية حتى اليوم في سباق يتوقف على موضوع الحرب، الكثير حول عواقب دعوته إلى الانسحاب، جانحاً بدلاً من ذلك إلى المقولات المعتادة حول مساعدة العراقيين على الدفاع عن أنفسهم، وتوسيع التحالف عبر طلب مساعدة الحلفاء. أما "ليبرمان"، الذي يتنافس في هذه الانتخابات كمستقل، فلم يكن أكثر صراحة خلال كلمته حول الأمن القومي في "هارتفورد" بعد ثلاثة أيام على كلمة "لامونت". حيث لم يقم السيناتور، الذي دعا إلى نشر المزيد من المدربين العسكريين الأميركيين مع القوات العراقية واختزل السباق الانتخابي في "مخطط لامونت للتخلي عن العراق مقابل إنجاز المطلوب هناك"، بمجرد الإشارة إلى بلاد الرافدين. جوناثان فاينر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "واشنطن بوست" في بغداد من مايو 2005 إلى يوليو 2006 ينشر بترتيب خاص مع خدمة " لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"