أعلن بوش أكثر من مرة عن رغبته في إغلاق معتقل جوانتانامو المثير للجدل وإنهاء الضغوط المتنامية على إدارته، لكن قبل الإقدام على أي خطوة مماثلة يجد بوش نفسه أمام معضلة يتعين حلها أولاً. فقد لجأ بعض المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم إلى حمل السلاح مجدداً ضد القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، في حين تعتبر الإدارة الأميركية كبار سجناء "القاعدة" الذين تم نقلهم من المعتقلات السرية لوكالة الاستخبارات المركزية إلى جوانتانامو، أخطر من أن يطلق سراحهم. لكن بالرجوع إلى السوابق التاريخية يمكن لإدارة بوش استخلاص الدروس الكفيلة بحل معضلات الحاضر. فرغم أن الحادثة طواها النسيان ولم يعد لذكرها أحد، إلا أن الولايات المتحدة مرت في السابق بلحظة مشابهة عندما اعتقلت ما يقرب من 4 آلاف أجنبي من المشتبه فيهم خلال الحرب العالمية الثانية في ظل تصاعد المخاوف من ضلوع بعض الأجانب في أنشطة تخريبية لصالح ألمانيا النازية. ولم تألُ واشنطن يومها جهداً في البحث عنهم واعتقالهم، حيث جابت دول أميركا اللاتينية سعياً وراء اعتقالهم وترحيلهم إلى الولايات المتحدة. وهكذا تم احتجاز المشتبه فيهم داخل مخيمات للاعتقال بصحراء تكساس، في انتهاك واضح للقانون الفيدرالي كما الدولي الذي يحرم اعتقال الأشخاص دون محاكمة. وعلى غرار سجن جوانتانامو، كانت مخيمات الاعتقال تتوزع بين النازيين المتشددين الذين كانوا فعلاً ضالعين في أنشطة تخريبية ضد الولايات المتحدة، وبين أناس لم تكن لهم أدنى علاقة بالحرب. وقد اكتشف الحراس لاحقاً أن المخيمات التي كان يفترض فيها حجز عملاء نازيين على درجة كبيرة من الخطورة، تضم في الواقع مزارعين ألماناً، ورجالاً مسنين، فضلاً عن عائلات بأكملها. وبسبب الاحتجاجات التي أبدتها دول أميركا اللاتينية حينذاك والشبيهة بالضغوط الدولية الراهنة لإغلاق معتقل جوانتانامو، قامت الولايات المتحدة بتحسين ظروف المعتقلين وبدأت تفكر في طريقة للتخلص من العبء الثقيل الذي فرضته على نفسها. وقد تم في هذا السياق اتخاذ قرارين اثنين يمكنهما أن يفيدا إدارة بوش في معضلتها الحالية. كان القرار الأول يقضي بالسماح للمعتقلين بمعرفة التهم الموجهة إليهم، حيث أدرك المسؤولون أنه سواء كان المعتقلون أبرياء لا علاقته لهم بأنشطة معادية للولايات المتحدة، أم عملاء نازيين هدفهم جمع المعلومات واستخدامها في الحرب ضد مصالح الولايات المتحدة، فإنهم يملكون كامل الحق في الاستماع إلى التهم الموجهة إليهم ومعرفة سبب وجودهم في المعتقل. وبالطبع يحتاج الرد على التهم تمثيلاً قانونياً تضمنه الدولة من خلال توفير محامين يتولون الدفاع عن موكليهم الذين لم يكونوا سوى الألمان المعتقلين، مع ما يستتبع ذلك من حق النقض والاستئناف. أما القرار الثاني الذي طبق في حق المعتقلين، خصوصاً الذين لم يثبت تورطهم في أية أعمال عدائية، فتمثل في ترحيلهم إلى ألمانيا. ورغم تخوف بعض المسؤولين من لجوئهم إلى حمل السلاح ضد الولايات المتحدة، فإنهم تجاوزوا المشكلة عبر تعهد المعتقلين قبل إطلاق سراحهم بعدم القيام بأعمال عدائية ضد أميركا. واللافت أن ألمانيا النازية احترمت فعلاً تعهد المعتقلين ولم تفرض عليهم حمل السلاح، بل أسندت للمتطوعين منهم مهام غير قتالية في خدمة البريد، أو غيره. وفي حالة معتقلي جوانتانامو يمكن للولايات المتحدة أن تعتمد حلولاً مشابهة لإنهاء معضلة المعتقل. ورغم أن المعتقلين لا يخضعون لأية وصاية حكومة معينة تضمن عدم رجوعهم إلى محاربة أميركا، إلا أن التعهد بعدم حمل السلاح في وجه القوات الأميركية سيكون دليل إثبات ضدهم في حال اعتقالهم مرة أخرى. وإذا ما تم الاعتراف بحق المعتقلين في التمثيل القانوني ومثولهم أمام المحاكم، على غرار ما قامت به الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، فإن من شأن ذلك تخفيف الضغوط الدولية على إدارة بوش دون التفريط في حماية الأراضي الأميركية وضمان عدم تعرضها لهجوم محتمل. ماكس بول فريدمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذ التاريخ بجامعة فلوريدا الأميركية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"