في أمور الحرب، يتعين على أميركا أن تتوخى الحذر من حليف يحييها بيد المتسول. إنها حالة إثيوبيا ومشاركتها في الحرب على الإرهاب؛ ذلك أن البلد يأمل في أنه إذا ساهم في تقويض "الإسلام المتشدد" في منطقة القرن الإفريقي، فإن الولايات المتحدة ستعجل بإرسال مساعداتها إليه. في بداية فصل الصيف، وبطلب من الحكومة الصومالية الفتية، أرسلت إثيوبيا المجاورة قوات إلى الصومال من أجل إيقاف تقدم "اتحاد المحاكم الإسلامية"، الذي يبسط سيطرته اليوم على معظم الجنوب، بما في ذلك العاصمة مقديشو. الواقع أن ما قامت به إثيوبيا يبدو أنه يصب في مصلحة الولايات المتحدة على اعتبار أنه من شأن نظام إسلامي متشدد في الصومال أن يمثل تعقيداً جديداً في الحرب على الإرهاب. غير أن إثيوبيا لا تصلح للنهوض بالسلام في الصومال، كما أنها ليست مهتمة أصلاً بإحلال السلام في هذا البلد. والحقيقة أنه لا يوجد بلد يستفيد أكثر من إثيوبيا من حرب ضد المليشيات الإسلامية في الصومال. يُنظر إلى القوات الإثيوبية في الصومال على أنها عنصر أجنبي ممقوت، هدفه الوحيد دعم نظام ضعيف وغير شعبي. كما أن وجود الجنود الإثيوبيين على التراب الصومالي إنما يقوي "المحاكم الإسلامية" عبر إتاحة المجال لها بالظهور بمظهر حماة الوطن، وهو ما يمنحها تأييداً شعبياً ويضعف حكومة البلاد الانتقالية. والحقيقة أن رئيس وزراء إثيوبيا "ميليس زيناوي" لا يعلم فقط أن أعماله زادت إمكانية اندلاع الصراع، وإنما يراهن على الحرب للفوز بالمساعدات. لم يكن العام الماضي لطيفاً بالحكومة الإثيوبية. فبعد انتخابات في موعدها سمحت لـ"زيناوي" بالفوز بولاية ثالثة، شرعت الحكومة في حملة قمع ضد المعارضة. وفي رد فعله على ذلك، مرر الكونغرس الأميركي مشروع قانون يصف الحكومة بغير الديمقراطية ويتهمها بانتهاك حقوق الإنسان. إضافة إلى ذلك، أوقفت الجهات المانحة الدولية تدفق المساعدات المالية على الحكومة الإثيوبية، ولم تعقد اتصالات معها لأشهر عدة. والواقع أن فقدان المساعدات أمر مؤلم جداً، ولاسيما أن إثيوبيا واحد من أكثر البلدان اعتماداً على المساعدات في العالم. غير أن حرباً ضد "المحاكم الإسلامية" في الصومال من شأنها أن تمكن "زيناوي" من وضع نفسه موضع الحليف الكبير في الحرب على الإرهاب. إذ يعتقد زيناوي أنه في حال لعبت بلاده دوراً جوهرياً في دعم حكومة الصومال الانتقالية ضد "اتحاد المحاكم الإسلامية"، فإن الولايات المتحدة ستوفر لها الدعم الدبلوماسي والاقتصادي، بالرغم من اعتراضات أخرى على سياسات إثيوبيا. وبالتالي، فكل ما على زيناوي القيام به هو انتظار اندلاع حرب أهلية في الصومال من جديد - وهي نتيجة أضحت أكثر احتمالاً بعدما أرسل قواته إلى الصومال. الأسبوع الماضي، نجا الرئيس الصومالي عبدالله يوسف من هجوم انتحاري بواسطة سيارة ملغومة كانت تستهدفه. ولم تتأخر الحكومة الانتقالية وحلفاؤها الإثيوبيون في نسبة الهجوم إلى "اتحاد المحاكم الإسلامية" وتنظيم "القاعدة". والحال أنه رغم حدوث هذا الهجوم، فإن الحرب ليست حتمية. ولذلك ينبغي على الولايات المتحدة ألا تضطلع بدور مسؤول في هذه المأساة الإفريقية المحتملة. فلئن كانت "المحاكم الإسلامية" وإثيوبيا ستستفيدان من الحرب، فإن ثلاث مجموعات مهمة جداً بالنسبة لحلول السلام في الصومال ستخسر في هذه المعادلة. إنها الحكومة الانتقالية التي تكافح من أجل الصمود، والتي ليست لها أي مصلحة في حرب تؤدي إلى دمارها؛ والسكان الذين يخشون الحرب؛ والتجار ورجال الأعمال في مقديشو، الذين بدون دعمهم لا يمكن لـ"المحاكم الإسلامية" الاستمرار في سيطرتها على جنوب الصومال. وعليه، فيمكن للولايات المتحدة أن تتقرب من هذه الفصائل داخل الصومال عبر عرض حوافز اقتصادية عليها من قبيل رفع العقوبات عن بعض الشركات الصومالية -مكافأة لها على تعاونها في السعي إلى حل سلمي. كما يمكن للولايات المتحدة، عبر مساعدة مهمة إقليمية لحفظ السلام ودعم محادثات السلام الحالية في الخرطوم بين "اتحاد المحاكم الإسلامية" والحكومة الانتقالية، أن تساهم في منع أن تتحول الصومال إلى جبهة جديدة في الحرب على الإرهاب. والحال أن الاعتدال لن ينتصر طالما ظلت القوات الإثيوبية داخل الأراضي الصومالية، وتشكل صرخة حشد بالنسبة للمتطرفين الإسلاميين. فمنذ 2002، سخّر الجيش الأميركي قوة خاصة في جيبوتي لتوفير المساعدات الإنسانية والتدريب العسكري لمنطقة القرن الإفريقي. وكانت إثيوبيا واحدة من أكبر المستفيدين من هذه المساعدات. أما اليوم، فعلى الولايات المتحدة أن تدعو إثيوبيا أن تسحب جميع قواتها من الأراضي الصومالية. وفي حال لم يستجب زيناوي لهذه المطالب، يتعين على أميركا حينها أن تعلق جميع العمليات غير الإنسانية داخل إثيوبيا وجميع المساعدات المستقبلية للحكومة إلى أن يغادر الجنود الإثيوبيون الصومال. إن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم يد العون للحكومات التي تحتاج للمساعدة، غير أنه لا ينبغي أن تذهب هذه المساعدة لزعيم يتطلع إلى إشعال نار حرب غير ضرورية. فقط حينما تُثبت إثيوبيا أنها تدعم التقدم في منطقة القرن الإفريقي، وأنها حليف حقيقي لأميركا في تدبيرها لشؤونها الداخلية والخارجية، يمكنها أن تنعم بمكافآت الصداقة الأميركية. وإلى أن يحدث ذلك، على الولايات المتحدة أن تُظهر لإثيوبيا والعالم أن أميركا ترفض تحديد حلفائها استناداً إلى الجهة التي يحاربونها فقط، وأن القتال في الحرب على الإرهاب فقط من باب المصلحة الذاتية ليس طريقة سريعة للحصول على المزايا. غريغوري وينغار ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ باحث بمؤسسة مجلس الدفاع القومي في ولاية فرجينيا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"