بعد مرور خمس سنوات على أكثر هجمات إرهابية تدميراً في تاريخ الولايات المتحدة، ما زالت مواطن الخلل والقصور في أجهزتنا الاستخباراتية لم تُصلح بعد. ذلك أن مهمة جمع المعلومات الاستخباراتية أضحت موزعة اليوم على 16 وكالة هي أشبه بقبائل متناحرة منها إلى فريق متعاون؛ ووكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إي" في فوضى عارمة، وتكنولوجيا المعلومات التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" غارقة في العصور المظلمة. والواقع أنه توجد في الولايات المتحدة اليوم وكالات استخبارات أكثر من أي وقت مضى، غير أنه لا توجد واحدة منها تتولى مسؤوليتها جميعاً والتنسيق فيما بينها. ففي عام 2004، خلق الكونغرس منصب مدير الاستخبارات الوطنية. غير أنه بدلاً من إدماج عمل مختلف الأجهزة، أثار المنصب الجديد حرب خنادق. فخلال السنتين الماضيتين مثلاً، وبينما كان مكتب مدير الاستخبارات يصارع بخصوص من يقدم الإيجاز اليومي للرئيس ومن يوزع المهام، قامت البنتاغون في هدوء بتوسيع أنشطتها الاستخباراتية في الداخل والخارج. وهذا أمر سيئ. إذ تقوم وحدات البنتاغون اليوم بأنشطة استخباراتية من قبيل عمليات محاربة الإرهاب السرية، وجمع المعلومات في الخارج، ومراقبة الأميركيين داخل الولايات المتحدة من دون أذون قضائية، أو ترخيص رئاسي، أو إشراف من قبل مدير الاستخبارات الوطنية والكونغرس. أما "وحدة محاربة التجسس الميداني" فهي إحدى وحدات البنتاغون غير المعروفة، بدأت عملها في 2002 بهدف حماية القوات الأميركية من الهجمات الإرهابية، غير أنها تحولت منذ ذلك الوقت إلى وكالة لمحاربة الإرهاب تتوفر على مهام مختلفة جداً وسلطة على أزيد من 4000 محقق عسكري. والواقع أن اقتسام المعلومات في ما بين وكالات الاستخبارات شهد تحسناً واضحاً، ولعل خير مثال على إصلاح الاستخبارات هو الوكالة الجديدة التي تسمى "المركز الوطني لمحاربة الإرهاب"، حيث يجلس موظفون من مختلف الوكالات في نفس الغرفة من أجل تحرير تقارير مشتركة. بل إن المركز طور موقعاً إلكترونياً سرياً يقدم للمسؤولين الحكوميين معلومات ملخصة حول مستجدات الإرهاب. ولاشك أن هذا يبدو أمراً جيداً. غير أنه نظراً لأن المحللين بـ"المركز الوطني لمحاربة الإرهاب" يتوفرون على صلاحيات مختلفة وينتمون إلى وكالات استخباراتية مختلفة، فإنهم يرون معلومات مختلفة أيضاً. ذلك أنه لا يتم اقتسام المعلومات الاستخباراتية حتى حينما تسمح القوانين بذلك، إذ تُخزن المعلومات في نحو 30 شبكة غير متطابقة. وفي حال أراد المحللون دخولها جميعاً، فيتعين عليهم استعمال ستة حواسيب. ويعد اقتسام المعلومات الاستخباراتية خارج "المركز الوطني لمحاربة الإرهاب" أسوأ وأصعب. ففي تقريرها لعام 2005، منحت لجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر هذه الجهود علامة "D". كما كشفت دراسة حديثة أعدتها لجنة "مؤسسة ماركل" حول الأمن الوطني أن اقتسام المعلومات ما زال يعاني عدة عراقيل بسبب "حروب الخنادق والصلاحيات غير الواضحة"، والمسؤولين الذين "مازالوا يتشبثون" بطرق العمل القديمة وضعف حس الالتزام. وخلصت اللجنة إلى أنه بالرغم من عشرات المبادرات والقواعد والمتطلبات القانونية، إلا أن "اقتسام المعلومات الموثوق بها يظل تطلعاً أكثر منه واقعاً". تلك كانت الأخبار السارة. أما الأخبار غير السارة فاسمها الآخر هو أداء "سي آي إي" و"إف بي آي". ما هي استراتيجية المخابرات المركزية الأميركية "سي آي إي" الحالية لاختراق "القاعدة"؟ هي نفسها تقريباً؛ حيث قامت الوكالة بحملة توظيف، فضاعفت عدد عملائها السريين منذ 2001 بدلاً من تحسين جودة أداء موظفيها أو تطوير طرق جديدة لتجنيد جهاديين عملاء. وعلى حد تعبير جاسوس سابق، فإن توظيف 50 في المئة من الموظفين الإضافيين من دون تغيير طريقة عملهم لن تجدي نفعاً. من جهة ثانية، قال مدير "إف بي آي" روبرت موللر أمام الكونغرس في مايو الماضي إن مكتبه وسع مهمته، و"أدخلنا إصلاحات جذرية على برامجنا وقدراتنا الاستخباراتية، وقمنا بتعزيز صفوف الموظفين". والحقيقة أنني لا أعرف عن أي "إف بي آي" يتحدث هذا الرجل. فقد وجد المفتش العام لوزارة العدل العام الماضي أن محللي "إف بي آي" لم يمضوا في القيام بالتحليلات سوى نصف وقتهم. بماذا كانوا منشغلين بدلاً من ذلك؟ طبعاً كانوا منشغلين بإخراج القمامة والرد على الهواتف، أي المهام نفسها التي كانوا منشغلين بها قبل الحادي عشر من سبتمبر. وكثيراً ما يقال إن التغيير يستغرق وقتاً، غير أن التاريخ حافل بالأمثلة حيث أُنجز الكثير في وقت وجيز. ففي 1865، أي بعد أقل من خمس سنوات على بدء الحرب الأهلية، توحدت البلاد وحرمت العبودية. وبعد أربع سنوات على مهاجمة اليابان بيرل هاربر، قطعت القوات الأميركية محيطين وانتصرت في الحرب. كما تمكن الآباء المؤسسون من صياغة الدستور في ظرف 100 يوم عمل. ومن مكتبه البيضاوي، كرر الرئيس بوش مؤخراً لازمته السنوية حول الحادي عشر من سبتمبر قائلاً: إننا اليوم أكثر أمناً من السابق. الواقع أن الرئيس محق بخصوص أمر واحد، وهو أننا لم نتعرض لهجوم إرهابي منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر. غير أنه علينا ألا نخلط بين أمرين هما الحظ والفعالية. إيمي زيغارت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذة السياسة العامة بجامعة كاليفورنيا- لوس أنجلوس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"