لماذا نحن في أفغانستان؟ هذا هو السؤال المنطقي الذي لا يتوقف الكنديون والبريطانيون عن توجيهه. ومنطقية هذا السؤال بالنسبة للكنديين ترجع إلى أن مهمتهم التي بدأت كمهمة لتحقيق الاستقرار والتنمية، قد تحولت إلى أكبر عملية انتشار للقوات المسلحة الكندية وأكثرها تكلفة من الناحية العسكرية منذ الحرب الكورية قبل خمسين عاماً. أما بالنسبة للبريطانيين، فيرجع ذلك إلى ارتفاع معدل خسائرهم، التي يتم التعتيم عليها لأسباب سياسية. فعملية "ميدوسا" التي يقوم بها حلف شمال الأطلسي تحولت إلى تدخل عسكري في الحرب الأهلية التي تدور رحاها في أفغانستان. فالكنديون والبريطانيون أصبحوا الآن جزءاً من عملية تجري في جنوب أفغانستان تحت قيادة بريطانية، وتواجه صعوبات خطيرة بعد أن تبين أن تمرد "طالبان" هناك أكبر وأكثر فعالية بكثير مما كان متوقعاً. وهذه القوات تواجه الآن ما وصفه الجنرال "جاب دي هوب شيفر" السكرتير العام لحلف "الناتو" بـ"أشد المعارك التي خاضها الحلف في تاريخه"، (فمعظم معارك "الناتو" كانت جواً، وخاضها ضد صربيا والقوات الصربية في البوسنة وكوسوفو). ونتيجة لذلك، فإن النداء الذي تم توجيه لأعضاء "الناتو" لإرسال تعزيزات، لم ينتج عنه سوى ردود من بولندا ورومانيا حيث وعدت الأولى بإرسال 900 جندي لتعزيز الـ100 جندي الذين وعدت بهم أصلاً، ولتعزيز جنودها العشرة الموجودين بالفعل في أفغانستان. في حين وعدت الثانية بتقديم 190 جندياً. أما باقي الدول الأعضاء في "الناتو"، فقد التزمت الصمت حيال النداء إذ ليست هناك دولة ترغب في موت أبنائها في حرب ضد "طالبان" المفروض أنها قد هزمت عام 2001. وسيحظى موضوع التعزيزات بالمزيد من الاهتمام في اجتماعات وزراء خارجية ودفاع حلف "الناتو" الحالية، كما سيتم تناولها في قمة الحلف التي ستعقد في جمهورية لاتفيا في نوفمبر. وقد تحمل الكنديون والبريطانيون ومعهم الدانمرك العبء الأكبر في التصدي لانتفاضة "طالبان"، أما باقي قوات الدول الأخرى، فهي تعمل وفقاً لقيود وطنية محددة، القصد منها المحافظة على جنودها من الخطر وفصلهم عن عملية "الحرية المستمرة" القتالية التي تقودها الولايات المتحدة بالقرب من مناطق القبائل الباكستانية عبر الحدود مع أفغانستان. وقد فقد الكنديون 36 جندياً منذ أن وصلوا إلى أفغانستان عام 2002 نصفهم في الثلاثة شهور الأخيرة، بالإضافة إلى عشرات الجرحى، أما البريطانيون فقد فقدوا 40 جندياً حسب الإحصائيات الرسمية وإنْ كان 21 منهم قد ماتوا لأسباب غير قتالية، بالإضافة إلى الأنباء التي تزعم أن هناك أعداداً أخرى من القتلى البريطانيين ولكن لم يتم الإبلاغ عنها. مسارات الحرب تغيرت في أفغانستان، فعندما دخلت قوات "الناتو" إلى هذا البلد كان نظام حكم "طالبان" قد دمر، وكانت قواته قد أبيدت، وكانت هناك حكومة جديدة في السلطة تم تكوينها بعد مفاوضات بين القوى الرئيسية في البلاد تبعتها انتخابات، وكان الوضع بشكل عام يبدو مستقراً إلى درجة دفعت الأميركيين في ذلك الوقت إلى إرسال جزء من قواتهم في أفغانستان للقتال في العراق. لكن الذي حدث بعد ذلك هو أن حكومة "حامد قرضاي" فشلت في فرض نفسها وسقط جزء كبير من السلطة في أيدي أمراء الحرب في الأقاليم المختلفة الذين سيطروا على البلاد خلال الفترة الواقعة بين الاحتلال الروسي وبين صعود "طالبان"، علاوة على أن جهود التنمية الدولية لم تكن بالقدر المأمول، كما أن الاقتصاد الأفغاني عاد مرة أخرى ليعتمد في معظمه على إنتاج وتصدير نبات زهرة الخشخاش الذي تحول مرة أخرى ليصبح المصدر العالمي الرئيسي للهيرويين. ويرجع سبب نجاح عودة "طالبان" مرة ثانية إلى امتلاكها لقاعدة شعبية عريضة كما أن السكان يتذكرون نجاحها في استعادة النظام وبسط الأمن بعد خروج السوفييت، وتحقيق درجة من الازدهار النسبي في البلاد بصرف النظر عن اعتمادها في تحقيق ذلك على سياسات تقوم على كراهية الأجانب والقمع الديني. لذلك فإن "طالبان" أصبحت تقود الآن انتفاضة شعبية ضخمة ضد النظام الحالي، وأصبح الكثيرون ينادون بأن يتم تحديد السلطة التي تحكم أفغانستان بواسطة الأفغان أنفسهم وليس بواسطة أي قوى خارجية. والسؤال المطروح الآن: هل من مصلحة البريطانيين أو الكنديين أو "الناتو" خوض حرب أهلية بالنيابة عن أمراء الحرب الإقليميين والحكومة الأفغانية الفاشلة، خصوصاً عندما تبين التجارب أنه من الصعب الفوز في هذه الحرب؟ الأميركيون لهم خبرة عريضة ومؤلمة حديثة في هذا الخصوص، وإنْ كان ما يبدو هو أنهم لم يتعلموا كثيراً من هذه الدروس. بالنسبة لبلير ليس هناك من حاجة للقول إنه يدور في فلك جورج بوش. أما كندا فوزير خارجيتها "بيتر ماكاي"، يقول إن بلاده ستستمر في القتال إلى أن يتم الانتهاء من إعادة إنشاء البنية التحتية لأفغانستان، وعودة لاجئيها من الخارج، وإقامة مؤسساتها الديمقراطية. وهذا كلام مثير للعواطف، ولكنه يشير من ناحية أخرى إلى أن الكنديين يتوقعون أن يبقوا في أفغانستان لفترة طويلة من الوقت. إن إدراك عدم إمكانية تحقيق هذه الإنجازات في المستقبل القريب هو الذي يقف وراء إحجام الدول الأخرى الأعضاء في حلف "الناتو" عن إرسال جنودهم للانضمام إلى الجنود الكنديين والبريطانيين الذي يتحملون الآن العبء الأكبر أو يتحملون صدمة المهمة التي لا يمكن أن تنتهي سوى من خلال تسوية بين القوى الأفغانية ذاتها. كاتب ومحلل سياسي أميركي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفس"