هل أسمع فعلاً تصدعاً في جدار الجمود الدبلوماسي الذي يجتاح منطقة الشرق الأوسط، أم أنه مجرد حلم عابر؟ فبالرغم من العنف الأهوج الذي مازال يعصف بالعراق وأفغانستان، وربما كان بسببه، لاحت في الأيام القليلة الماضية بوادر لحل الأزمات المستفحلة في المنطقة أصدرها لاعبون أساسيون في المنطقة كانوا إلى وقت قريب يرفضون الحوار. فمن المثير مثلاً أن نسمع كلمات الإشادة والتقدير التي عبرت عنها الولايات المتحدة تجاه سوريا في الأسبوع الماضي، لاسيما وأن العلاقات بين البلدين كانت في غاية التوتر إلى درجة اضطرت واشنطن إلى سحب سفيرتها من سوريا. ومع ذلك أطرت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس سوريا لإحباطها هجوماً إرهابياً على مقر السفارة الأميركية في العاصمة دمشق، حيث جاء على لسانها "لقد تصرفت سوريا على نحو ضمِن أمن موظفينا في السفارة، ونقدر لها ذلك". وبالطبع لا يعني ذلك أن سوريا والولايات المتحدة على وشك إقامة علاقات متميزة، خاصة في ظل التعليق السوري المقتضب بأن "السياسات الأميركية في الشرق الأوسط مسؤولة عن تغذية التطرف والإرهاب". ومع ذلك تخفي اللغة الدبلوماسية الغامضة بين الجانبين مؤشرات توحي باستعداد الولايات المتحدة لعقد صفقة مع سوريا. وبالموازاة مع ذلك أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه توصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة مع حركة "حماس" التي فازت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية. ورغم تشكك البعض من إمكانية نجاح حكومة وحدة وطنية تضم الطرفين، إلا أنه في حال قيامها فإنها ستعالج المشاكل المرتبطة برفض"حماس" الاعتراف بإسرائيل، وبامتناع هذه الأخيرة عن التعامل مع حكومة تقودها "حماس". وهكذا سيصبح بإمكان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت التعامل مع الفلسطينيين في غزة عبر الرئيس محمود عباس دون الدخول في مفاوضات مع "حماس". والمثير أيضًا في ما يجري من تطورات متسارعة في الساحة الشرق الأوسطية هو الاعتراف الذي عبر عنه زعيم "حزب الله" السيد حسن نصرالله. فقد أدى اختراق الحزب للحدود الإسرائيلية واختطاف الجنديين إلى اندلاع حرب كان فيها رد إسرائيل قوياً ومدمراً سعياً للقضاء على معاقل الحزب في جنوب لبنان. ففي حديث أدلى به لتلفزيون لبناني صرح أمين عام "حزب الله" بأنه لو كان يعرف أن الرد الإسرائيلي سيأتي بهذا الدمار لما أقدم على خطف الجنديين الإسرائيليين. والواقع أن هذا الاعتراف من قبل السيد حسن نصرالله هو بمثابة اعتذار للشعب اللبناني على معاناته طيلة فترة الحرب. ويبقى الأهم من ذلك التطور الذي حصل على جانب إيران حول ملفها النووي. فإلى حد الآن كانت إيران متصلبة في مواقفها الرافضة كلياً لأي وقف لبرنامجها النووي. لكن وفيما يشبه مشهداً تفاوضياً على غرار ما يحدث في البازارات الإيرانية نُقل عن علي لاريجاني قوله في الأسبوع الماضي إن إيران مستعدة لإقرار وقف مؤقت لتخصيب اليورانيوم لمدة شهرين، في وقت سارع فيه مسؤولون إيرانيون آخرون إلى نفي ما صرح به لاريجاني. وليس مهماً هذا التذبذب في الموقف الإيراني بالنظر إلى ما أكده ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن القومي حين قال: "في كل المفاوضات مع إيران تظهر العروض وتختفي". ومع ذلك يرى أولبرايت في تحليله لرد إيران على طلب مجلس الأمن بتعليق برنامجها النووي بعض بوادر الأمل موضحاً ذلك في قوله: "ليس الرد الإيراني خالياً من المنطق وهناك متسع من الأمل فيما سيأتي به المستقبل". وقد أوضح أولبرايت أيضاً في معرض تحليله للموقف الإيراني الجديد القاضي بتعليق مؤقت لتخصيب اليورانيوم أن البرنامج النووي الإيراني يشهد أصلاً بعض التأخير وبالتالي فإن تعليق التخصيب لبضعة أشهر "لن يكون خطوة كبيرة من طهران". ومن جانبها أعلنت رايس الأسبوع الماضي فيما اعتبر تخفيفاً ملموساً في اللهجة الأميركية السابقة بأن الولايات المتحدة مستعدة لتعليق فرض العقوبات على إيران، إذا ما وافقت هذه الأخيرة على تعليق تخصيب اليورانيوم لمدة شهرين. وفي ظل استبعاد الخيار العسكري في التعامل مع إيران بسبب المصاعب التي تواجهها إدارة بوش في العراق، تركز الولايات المتحدة جهودها على المسار الدبلوماسي علها تستطيع التوصل إلى حل للأزمة الإيرانية. بيد أن المشكلة ليست في الموقف الأميركي، بل في مدى جدية إيران ورغبتها الفعلية في التوصل إلى اتفاق دبلوماسي، ومن أنها لا تناور فقط لربح المزيد من الوقت لتواصل أنشطتها السرية في تخصيب اليورانيوم. ومع أن مجلس الأمن كان واضحاً في تحذيره لإيران وتلويحه بالعقوبات إذا ما فشلت المفاوضات بين الأطراف الدولية الستة وطهران في اجتراح حل يرضي المجتمع الدولي، إلا أن وجود روسيا والصين في مجلس الأمن قد يعرقل خيار العقوبات، لاسيما في ظل المصالح الاقتصادية المشتركة بينهما وبين طهران. وتأتي هذه التطورات الدبلوماسية المتسارعة في وقت يشهد فيه العنف تفاقماً كبيراً في العراق، وتعود الاضطرابات مجدداً إلى أفغانستان ما يحتم على القوى الدولية استغلال أي انفتاح دبلوماسي والبناء عليه لإخراج الشرق الأوسط من دائرة الخطر التي يوجد فيها اليوم. جون هيوز كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"