بينما يقوم الجنرالات في الجيش الأفغاني إلى جانب حاكم إحدى المحافظات الأفغانية بجولة في شرق البلاد ويتفقدون جسراً شيد عقب انتهاء المعارك في المنطقة يعد حسب الجيش الأميركي أطول جسر أقيم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يطمح الجميع، من أميركيين ومسؤولين أفغان، في أن تساهم جهود إعادة الإعمار الجارية على قدم وساق في إقناع القبائل الأفغانية المنتشرة في هذه المنطقة الوعرة من شرق البلاد بالتخلي عن مساندة "طالبان" والانضمام إلى المساعي الحكومية الرامية إلى القضاء عليها وفرض الأمن والاستقرار في المناطق المضطربة. وهكذا فعندما يحاول حاكم المنطقة ديدار شاليزاي طمأنة الجنرال الأميركي بنجامين فريكلي قائلا: "سيصطف العديد من الأهالي إلى جانبنا حينما يرون بأعينهم جهود إعادة الإعمار ويستفيدون منها، ولن يتأخروا في القدوم إلينا لتقديم يد المساعدة" يرد الجنرال فريكلي، قائد القوات الأميركية في أفغانستان بعبارة: "إنشاء الله" التي يستخدمها المسلمون لإبراز تفاؤلهم بالمستقبل. ويعتبر الجسر الجديد الرابط بين ضفتي نهر "بيش" الذي دشن يوم الاثنين الماضي علامة فارقة في الاستراتيجية الأميركية بأفغانستان ومؤشراً مهما على التغيير الذي طالها. وتتمثل الاستراتيجية الجديدة في تطهير المنطقة من "طالبان" وتدمير معاقلها القوية، ثم البقاء لما يكفي من الوقت لتتمكن الحكومة من فرض سيطرتها عبر نشر القوات الأفغانية وكشف ثمار جهود إعادة الإعمار أمام أهالي المنطقة. ومع ذلك مازالت تضج المنطقة بالرهانات الحاسمة، حيث لم تختفِ فلول "طالبان" تماماً من المحافظات الشرقية رغم انقضاء خمس سنوات على دخول القوات الأميركية وحلفائها إلى البلاد وإطاحتها بـ"طالبان". وفي كل مرة يرجع فيها الأميركيون إلى المنطقة لمعاينة الوضع الأمني يفاجأون بعودة المتمردين مجدداً إلى المنطقة وتسللهم إلى القرى المنتشرة في شرق أفغانستان. وفي هذا الإطار يشرح الجنرال فريكلي الاستراتيجية الأميركية الجديدة في البلاد قائلا: "أملنا أن تصل الأنباء إلى المناطق الأخرى في أفغانستان بأننا سنبقى طويلاً ولن نغادر ما لا يستتب الأمن. ورغم توعد بعض المناطق بمحاربتنا إلا أننا ما إن نصل إليها حتى يأتي شيوخ القبائل ويطلبوا منا مساعدتهم". وتسعى قوات حلف شمال الأطلسي فيما يبدو إلى تطبيق الاستراتيجية نفسها القائمة على القتال والبناء في المحافظات الجنوبية. فقد أعلنت قوات "الناتو" قتلها ما لا يقل عن 500 من المتمردين ضمن عملية "ميدوسا" التي أطلقتها القوات الأميركية خلال نهاية الأسبوع الماضي. ولا يعني ذلك توقف هجمات المتمردين التابعين لحركة "طالبان"، التي استمرت بلا هوادة، حيث قتل هجوم انتحاري أربعة جنود كنديين يوم الاثنين الماضي، فضلاً عن وقوع تفجيرين آخرين في اليوم ذاته أسفرا عن مقتل عشرين مدنياً. وفي تصريح أدلى به وزير الدفاع البريطاني دي براون يوم الثلاثاء الماضي وصف القتال الدائر في أفغانستان بأنه "على أشده" وبأنه أكثر مما كان متوقعاً، مضيفاً أن "صمود طالبان رغم تكبدها لخسائر فادحة كان أمراً مفاجئاً حيث استنفدنا الكثير من الجهد ما أدى إلى تعطيل إعادة الإعمار". وفي محاولة لتغيير مجرى الأحداث وإقناع زعماء القبائل بتغيير موقفهم من "طالبان" جلس حاكم محافظة كونار بلحيته الكثة، الذي كان هو نفسه أحد أعضاء الحركة سابقاً، إلى مجموعة من رجال القبائل بالقرب من الجسر الجديد الذي تم تشييده قائلاً: "أعدكم بأن الحكومة ستراعي مصالحكم أكثر من طالبان، فنحن نمتلك خططاً لشق الطرق، وإدخال المياه إلى البيوت، فضلاً عن توفير فرص العمل لكم ولأبنائكم". وأضاف شاليزاي حاكم محافظة كونار في حديثه إلى أهالي المنطقة قائلاً: "نحن نعرف أن أبناء كونار هم الأكثر شجاعة بين جميع الأفغان، لذا نطلب إليكم أن تساعدوا الحكومة على ضبط الأمن، كما نطالبكم بألا تضيعوا الفرصة على أفغانستان لبناء مستقبل زاهر". لكن رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة الأفغانية لاستمالة الأهالي إلى صفها وقطع الطريق على حركة "طالبان" مازال وادي كورنجال المجاور لمحافظة كونار منقسماً بين القرى الشمالية التي تساند في مجملها الحكومة الأفغانية وبين ثلاث قرى في الجنوب تناوئها وتتعاطف مع "طالبان". وفي إجراء عقابي فرضت عليهم القوات الأميركية والأفغانية طوقاً عسكرياً لعدة أسابيع بطلب من الحاكم نفسه بهدف منع تسلل عناصر "طالبان" إليها والتزود بالمؤن من أهاليها. ويصر أهالي القرى المعاقبة على نفي أية علاقة لهم بالمتمردين الذي نفذوا طيلة الفترة السابقة العديد من العمليات راح ضحيتها عشرات المدنيين بمن فيهم أحد أبناء الأعيان في المنطقة. ويدافع زروار خان، رئيس المجلس الحاكم لقرى كورنجال عن المنطقة قائلاً: "غير صحيح ما يتردد عن مساعدتنا لطالبان، كل ما هنالك أنه توجد بعض الجيوب داخل القرى يحتمي فيها متمردون لا يزيد عددهم عن عشرة أفراد". وبينما يرحب الأهالي عامة بجهود إعادة الإعمار مثل إقامة الجسر الجديد، إلا أنهم لا يخفون توجسهم من التواجد الأميركي، لاسيما بعد الحصار الذي فرضته القوات الأميركية على قراهم. وفي السياق نفسه يؤكد محمد جابر، وهو عضو آخر في المجلس الحاكم أن العناصر التي تقاتل القوات الحكومية "هي أيضاً عدو للقبيلة وللمحافظة". وتشكل مشاعر التعاطف مع الحكومة المركزية التي عبر عنها بعض أهالي محافظة كونار أحد الأهداف الأساسية التي تسعى الولايات المتحدة إلى ترسيخها في أفغانستان، لاسيما في المناطق الشرقية التي تعرف تصاعداً في وتيرة العنف. ولتحقيق ذلك تراهن واشنطن على إعمار المنطقة، حيث خصصت 43 مليون دولار لإقامة مشروعات في القرى والوديان الواقعة شرق البلاد تعود بالفائدة على الأهالي وتفتح أعينهم على المزايا التي تنتظرهم إذا ما وقفوا بجانب الحكومة وساندوا جهودها في إحلال الأمن والقضاء على "طالبان". سكوت بيترسون مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في أفغانستان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"