لطالما شكلت منصة الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في نيويورك منبراً يستغله بعض رجال العالم الأقوياء لإثبات توجهاتهم المناهضة لأميركا. فمنذ 1960 عندما اعتلى فيديل كاسترو المنبر، ثم أمين عيديد سنة 1975 وجوقة الرؤساء المناوئين للولايات المتحدة مستمرة إلى يومنا هذا، حيث تسلم المشعل جيل جديد من القادة مثل هوجو شافيز ومحمود أحمدي نجاد وعمر حسن البشير، الذين صوروا أنفسهم أمام العالم على أنهم ممثلو العالم الثالث في صراعه الدائم والمستمر ضد الهيمنة الأميركية. وبالطبع سارع المسؤولون الأميركيون إلى إقصاء خطب الرؤساء الثلاثة على أنها استعراض للعضلات لا أكثر وجعجعة بلا طحين، خاصة وأن الرجال الثلاثة قدموا من بلدان تزخر بثروات نفطية وموارد أخرى مدتهم بالجرأة الكافية لاستفزاز الولايات المتحدة. ولأنهم كذلك فهم بعيدون عن تمثيل دول العالم الثالث الفقيرة التي مازلت تعتمد على المساعدات الأميركية. ويتساءل العديد من المسؤولين في الأمم المتحدة عما إذا كان العالم بصدد ميلاد معسكر جديد مناهض للولايات المتحدة ينهض على أنقاض حركة دول عدم الانحياز التي رأت النور خلال فترة الحرب الباردة. وكانت الخطوات العنيفة التي اتخذتها إدارة الرئيس بوش لحماية الأمن القومي، فضلاً عن الاستياء الدولي من القوة العظمى في العالم سبباً في تعريض الولايات المتحدة لسيل من الاتهامات تتراوح بين العنصرية أحياناً والنفاق والإمبريالية أحياناً أخرى، لا سيما خارج العالم الغربي. وهكذا صرح الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز أمام مجموعة من وفود الدول كان أغلبهم من أفريقيا قائلاً "أينما لاح بنظره يرى متطرفين، وأنتهم أيها الإخوة كلما نظر إليكم ينعتكم بالمتطرفين، فإيفو موراليس رئيس بوليفيا الجدير بمنصبه أصبح في رأي بوش متطرفاً آخر". وعندما يتهم شافيز الولايات المتحدة بأنها ترى أعداء وهميين كلما نظرت إلى أناس ملونين، فهو يوظف الغضب العالمي من أميركا حيال قضايا مثيرة للجدل مثل السجون السرية وسعي إدارة بوش إلى إعادة تفسير معاهدات جنيف حول الأسرى. للترويج لآرائه الخاصة. وفي هذا الإطار، يقول "إدوارد لوك"، رئيس مركز التنظيم الدولي في جامعة كولومبيا: "إن أموراً كثيرة مثل سجن جوانتانامو تجعل الناس يشككون في مدى تقيدنا بالمبادئ التي نبشر بها، وما إذا كان الرئيس جاداً عندما يتحدث عن حماية الحريات المدنية، وهو ما يعطي لبعض الأشخاص مثل شافيز فرصة لا تعوض لانتقاد أميركا". كما أظهر استطلاع للرأي أجرته إحدى الشركات التشيلية تراجعاً في شعبية الولايات المتحدة لدى المواطنين في أميركا اللاتينية، حيث انخفضت إلى 61% في 2005 مقارنة مع 68% في العام 2000. وجاء في استطلاع الرأي أيضاً أنه "بالرغم من التزايد في نسبة المواقف الإيجابية من الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية بعد هجمات 11 سبتمبر بسبب تعاطف الناس مع الأميركيين، إلا أنه ابتداء من 2003 شهدت تلك المواقف الكثير من التغير. ويبقى السؤال الذي يشغل المسؤولين الأميركيين ما إذا كان هوجو شافيز وأحمدي نجاد سيتمكنان في النهاية من استقطاب المزيد من الدول إلى معسكرهما. يأتي هذا التساؤل في ظل الاستياء المتزايد الذي عبر عنه عدد متنام من المسؤولين الأمميين ودبلوماسيي دول العالم بشأن احتكار القرار الدولي من قبل الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن: الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين، وهي النقطة التي أثيرت من قبل الرئيسين شافيز وأحمدي نجاد. ورغم خفوت الأصوات المطالبة برفع عدد المقاعد دائمة العضوية في مجلس الأمن السنة الماضية وسط التنافس الشرس الذي نشب بين الدول، إلا أن العديد من المسؤولين أشاروا إلى احتمال تجدد النقاش حول الموضوع. وفي هذا الصدد يقول مسؤول بارز في الأمم المتحدة "إنه مثير للاهتمام أن يعود موضوع إصلاح مجلس الأمن إلى الواجهة بعدما اعتقد الجميع أن مسألة الإصلاح طويت ولن تفتح مرة أخرى". وسيشكل الاقتراع السري المقرر تنظيمه خلال الشهر المقبل لشغل المقاعد العشرة الخاصة بالأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن فرصة لتقيم النفوذ الذي بات يتمتع به المعسكر المناوئ للولايات المتحدة. واللافت أن فنزويلا ستنافس جواتيمالا لشغل كرسي أميركا اللاتينية في مجلس الأمن، حيث من المنتظر أن تهب واشنطن إلى دعم الأخيرة وقطع الطريق على شافيز. هيلين كوبر مراسلة "نيويورك تايمز" في الأمم المتحدة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"