عندما نشأت صبياً يافعاً في بروكلين, لم يكن حولي وجود للإسلام ولا المسلمين. وفي نهاية عقد الستينيات، وعندما أشارت علي شعبة الدراسات العليا بالجامعة باختيار منهج دراسي عن الإسلام, قلت لنفسي متعجباً ومتسائلاً: "لم علي فعل ذلك؟ وكيف لي أن أحصل على عمل بتخصص كهذا في يوم من الأيام؟" واليوم كما نرى, فكثيراً ما طغى الإسلام وقضايا الشرق الأوسط على العناوين الرئيسية للصحف والنشرات الإخبارية المقروءة والمسموعة معاً. وأصبح المسلمون الأميركيون جزءا لا يتجزأ من فسيفساء المجتمع الأميركي ونسيجه الحي. بل الحقيقة أن الإسلام أصبح ثالث أكبر الديانات في أميركا وأسرعها نمواً وازدهاراً. وفي خواتيم القرن الماضي, وتحت تأثير الانفجار الهائل للمعلومات عن الإسلام, وانتشاره في أوساط المجتمع الأميركي، ظهر المزيد والمزيد من المراكز الإسلامية والمنظمات الاجتماعية والتعليمية الإسلامية, كما أن هناك تزايداً ملحوظاً في أعداد المسلمين في مدارسنا وجامعاتنا, وفي شتى المهن والوظائف. كنت منهمكاً بتأليف مخطوطة كتاب بعنوان "مستقبل الإسلام: المسلمون في القرن الحادي والعشرين". بيد أن كل ذلك قد تغير منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر, تلك المأساة المريرة المروعة التي أزهقت أرواح الكثير من المواطنين الأميركيين الأبرياء, بمن فيهم بالطبع عدد من المواطنين المسلمين. وبدلاً من ذلك الكتاب, اتجهت لتأليف كتاب آخر عنوانه "الحرب غير المقدسة: الإرهاب باسم الإسلام", إلى جانب انشغالي بكتابة مؤلف آخر عنوانه "ما نحتاج معرفته جميعاً عن الإسلام", فضلاً عن سلسلة كتيبات أخرى اهتمت بالإجابة على عدد لا حد له من الأسئلة عن الإسلام والمسلمين, من بينها "لماذا يكرهوننا؟" و"ما هي أسباب التطرف الإسلامي والإرهاب؟" و"هل الإسلام دين عنف؟". إلى آخره. وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر, شدد الرئيس بوش في خطاباته على شنه حرباً على الإرهاب الدولي وليس على الإسلام كدين وعقيدة. ومهما يكن ونتيجة لتواصل سلسلة الهجمات الإرهابية التي تشنها الأقليات المتطرفة, مصحوبة ومعززة بتصريحات دعاة الكراهية من المسلمين والمسيحيين على حد سواء, إلى جانب تواتر تعليقات أعداء الإسلام السلبية, فقد أسهم كل ذلك في تشويش المعلقين ومستضيفيهم لرؤيتنا وفهمنا لثاني أكبر ديانة عالمية, إضافة للإساءة لصورة غالبية المسلمين. وقد تكشف سوء الفهم هذا في آخر نتائج استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة "جالوب" التي أشارت إلى وجود أقليات أميركية معتبرة, تبدي مشاعر سلبية إزاء المسلمين, وترى ضرورة تشديد الإجراءات الأمنية عليهم, حرصاً على تفادي أي هجمات إرهابية محتملة من جانبهم في المستقبل. ومن رأي نسبة 44 في المئة من هؤلاء, أن المسلمين متطرفون في ممارستهم لمعتقداتهم الدينية. بل إن هناك نسبة 22 في المئة –أي ما يقارب ربع المجتمع الأميركي- تفضل عدم مجاورتها لأي مسلم في المناطق السكنية. وإلى ذلك أشارت النسب والإحصاءات ذاتها إلى ما يقارب الخمسين في المئة من الأميركيين, ترى أن المسلمين الأميركيين موالون لأميركا. واليوم وبينما يرى الكثيرون منهم أن بلادهم تخوض حرباً ضد الإرهاب الدولي, ثمة عدد مماثل لهم في العالم الإسلامي, يرى أن أميركا تشن حرباً جديدة على الإسلام والمسلمين. ولنا أن نتساءل هنا عما هي صورة أميركا في نظر عامة المسلمين من المغرب العربي إلى إندونيسيا؟ وهل تسود هناك مشاعر حقد وكراهية عمياء لنمط الحياة الأميركية؟ إن استطلاعاً أخيراً للرأي العام أجرته مؤسسة "جالوب" الدولية هناك, يشير إلى النقيض تماماً. وأظهرت نتائج ذلك الاستطلاع أن من رأي غالبية المسلمين الذين استطلعت آراؤهم في عشر دول عربية إسلامية هي المغرب, مصر, لبنان, الأردن, تركيا, المملكة العربية السعودية, إيران, باكستان, وبنجلاديش وإندونيسيا, إن أكثر ما يفتنها في أميركا بعد تقدمها العلمي والتكنولوجي, هو نظام قيمها وحرياتها ودأبها في العمل, وحكم القانون فيها, وحرية الاختيار التي تتيحها, وعدالة نظامها السياسي, ومساواتها بين مواطنيها ذكوراً وإناثاً. إلى ذلك أعربت الغالبية العظمى في أي من الدول العشر التي شملها استطلاع الرأي, عن افتتانها بحرية التعبير التي يتسم بها المجتمع الأميركي. كما أكدت الغالبية نفسها في كافة الدول المذكورة, وقوفها مع ضرورة المساواة الحقوقية بين النساء والرجال. ثم علينا أن نطرح سؤالاً آخر عما يعتقد المسلمون أن بوسعه تحسين العلاقات بينهم والغرب؟ والإجابة الأكثر تواتراً من جانبهم, هي أن يبدي الغرب مزيدا من التفهم والاحترام للإسلام, إلى جانب تقديمه المساعدات الاقتصادية وإنشاء المزيد من الوظائف وفرص العمل, والكف عن التدخل في شؤون المسلمين. وفي اعتقاد الكثيرين منهم أن أميركا ليست بذاك العزم ولا الجدية في حفز الديمقراطيات المحلية وأنظمة الحكم الذاتي الحر في المنطقة. وعليه فإنه لا بد من استنتاج أن مشاعر العداء والكراهية لأميركا, إنما مردّها إلى أفعالنا نحن الأميركيين وسياساتنا التي ننتهجها إزاء المنطقة, وليس إلى نمط حياتنا ولا ثقافتنا ولا ديننا. لذلك فإن تنامي مشاعر العداء لأميركا في العالم الإسلامي بعد مضي خمس سنوات على هجمات 11/9 وما يقابلها هنا من تنام لظاهرة الإسلاموفوبيا, وتزايد مشاعر الكراهية للإسلام والمسلمين في مجتمعنا المتعدد الثقافات والأديان, إنما يشكلان مهدداً خطيراً وجدياً يجب التصدي له. والحقيقة أن المسلمين وغير المسلمين قد طالتهم وحشية الإرهاب الدولي وعنفه. وللسبب عينه, فإن عليهم جميعاً أن يصبحوا طرفاً في الحل, لا طرفاً في المشكلة. وعليهم أيضاً يقع واجب مساءلة قادتهم عن فشل السياسات التي ينتهجونها, والتصدي لدعاة الكراهية بينهم من المبشرين ورجال الدين, إلى جانب تصديهم لقادة الميليشيات والزعماء السياسيين والمتطرفين والمعلقين السياسيين الذين يروجون لثقافة الكراهية والعنف بينهم. وإن قدّر لأميركا لعب أي دور في بناء شرق أوسط جديد, فإنه لا بد لها من إدارة حوار جديد داخلها, يكون هدفه الإمساك مجدداً بأهداب تلك القيم والمبادئ الأميركية التي طالما فتن بها المسلمون, وطالما جعلت من أميركا دولة شامخة عظيمة في نظر الكثيرين منهم.