أثارت الصفقة النووية الأميركية سجالاً داخل الكونجرس الأميركي والبرلمان الهندي. ومع أن هذه الصفقة يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين وتعميق العلاقات بين أكبر وأقدم ديمقراطيتين في العالم، فإن السجال الدائر حولها ركز معظم اهتمامه على احتمال قيامها بالتسبب في إشعال فتيل حرب نووية أو سباق تسلح في جنوب آسيا، في حين لم يهتم كثيراً- أو لم يهتم على الإطلاق- بالكيفية التي يمكن أن يؤدي بها تنفيذ الصفقة إلى زيادة تهديدات الإرهاب، أو تهديدات وقوع هجوم عسكري ضد المنشآت النووية الهندية. وهذه التهديدات يمكن أن تتزايد بثلاث طرق. الأولى أن تؤدي الصفقة إلى زيادة ضخمة في مخزون الهند من مادة البلوتونيوم التي تستخدم في القطاعين المدني والعسكري. ومن المعروف أن البلوتونيوم مادة سامة قابلة للانشطار يمكن أن تستخدم- في حالة وقوعها في أيدي إرهابيين لديهم المعرفة التقنية الكافية- في تصنيع أدوات وأجهزة نووية مرتجلة شديدة التدمير على الرغم من بدائيتها، كما يمكن استخدامها كذلك في تصنيع أجهزة لنشر الإشعاع النووي من ضمن صورها القنبلة المعروفة باسم "القنبلة القذرة". الطريقة الثانية: أن تؤدي الصفقة إلى تحفيز الهند على توسيع منشآتها النووية، وهو ما سيؤدي بدوره إلى زيادة الأهداف المتاحة أمام الإرهابيين، وأمام الهجمات العسكرية. الطريقة الثالثة: أن الصفقة يمكن أن تؤدي إلى تحقيق المزيد من التقارب في العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية. وفي الحقيقة أن هذا التقارب قد عرض الهند بالفعل لعداوة أسامة بن لادن زعيم تنظيم"القاعدة"، كما أنه ربما يؤدي إلى توليد المزيد من السخط والاستياء لدى باكستان، مما يجعل الهند في النهاية أكثر انكشافاً وخصوصا في الصراعات المسلحة التي يمكن أن تدور مع منافسيها النوويين في شبه القارة الهندية. وقد يكون الناشطون المرتبطون بتنظيم "القاعدة" هم الذين شنوا الهجمات الإرهابية التي وقعت في الحادي عشر من يوليو ببومباي، والتي قامت السفارة الأميركية على أثرها بإصدار تحذيرات من احتمال وقوع المزيد من الهجمات ضد منشآت الحكومة الهندية ومنها المنشآت النووية. والإجراءات الأمنية النووية بحاجة إلى المزيد من التعزيز، وخصوصاً بعد أن حذرت الاستخبارات الهندية مؤخراً من أن المسلمين المسلحين يمكن أن يستهدفوا المواقع النووية الموجودة في البلاد. ومن المعروف أن لدى الهند خطة طموحة لإجراء توسع كبير في مجمعها النووي، الذي يمثل في حد ذاته بيئة غنية بالأهداف التي يمكن ضربها، ما يعني أنه يمكن أن يؤدي إلى زيادة مخاطر الحوادث والهجمات والعمليات التخريبية. ومن المعروف أن الهند التي تعاني من الصراع الطائفي والإرهاب منذ عقود طويلة، تقع في منطقة من أكثر المناطق تعرضا للعنف في العالم. ومعظم هذا العنف يأتي عن طريق الجماعات الجهادية التي يوجد لبعضها ارتباطات مع تنظيم "القاعدة"، والتي فكرت بالفعل في إمكانية قيامها باستخدام الإرهاب النووي والإشعاعي. هل يمكن للتهديدات التي تتعرض لها الهند من قبل "القاعدة" وغيرها من الجماعات المسلحة أن تضع حداً للمنافع المتوقعة جراء الصفقة النووية الأميركية الهندية؟ لا.. لأن الولايات المتحدة والهند لن- ويجب- ألا يسمحا بأي حال من الأحوال بأن يتحولا إلى رهينة في أيدي الإرهابيين بشرط أن تعرف قياداتهما أنهما بحاجة إلى عمل المزيد من أجل حماية المنشآت النووية الهندية، خصوصاً على ضوء تزايد عدد تلك التهديدات. ويجب على الهند – بشرط تعاون الولايات المتحدة الأميركية معها في ذلك أن تقوم بما يلي: * التأكد من أن الطرق المختلفة للهجمات الإرهابية والعسكرية قد تم النظر فيها بشكل كامل، وأنه يتم تقييمها بشكل مستمر، من أجل تعزيز سلامة وأمن منشآتها النووية. *فصل المزيد من منشآتها النووية المدنية- على أن تبدأ في ذلك بالمفاعلات المغذية- عن برنامجها النووي العسكري لتقليل درجة الخطر الذي يمكن لتلك المنشآت أن تتعرض له، ولتخفيف تلك الدرجة من السرية التي تحيط بتلك المنشآت نظراً لارتباطها ببرنامجها العسكري. *العمل مع الصين وباكستان من أجل وضع حد أعلى لكميات المواد النووية القابلة للإنشطار لتقليص احتمال وقوعها في أيدي الإرهابيين. *تطوير "الأمن النووي التعاوني" أي القائم على التعاون، مع تطبيق أفضل الممارسات والإجراءات المتبعة في هذا الشأن بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية وغيرهما. *إنشاء منشآت جديدة وتزويد المنشآت القائمة- إلى الحد الممكن- بمواد وأنظمة أمان مقاومة للتخريب، مع قيامها بتطبيق المزيد من إجراء الأمن والسلامة، مثل تركيب المزيد من مولدات الديزل، واتخاذ بعض إجراءات الوقاية المنخفضة التكلفة، حول أماكن الوقود المنضب والمنشآت المعرضة للخطر، وإنشاء نظام للدفاع الجوي السلبي والإيجابي عن المواقع النووية الحيوية. •إنشاء بنية نووية مدنية شفافة، ذاتية النقد، تساعد بدورها على إنشاء وتمكين وكالة تنظيمية مستقلة من تولي مهمة الإشراف الدائم واليقظ للحيلولة دون وقوع عمليات التخريب التي تتم من الداخل أو التي يمكن أن تتم بالتواطؤ مع الإرهابيين. وفي الوقت الذي يقوم فيه الكونجرس بالنظر في الصفقة النووية الأميركية الهندية، فإنه يجب أيضا أن يشجع على تحقيق التعاون في مجال الأمن النووي بين الدولتين. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تشارلز دي. فيرجسون زميل بـ"مجلس العلاقات الخارجية الأميركي" ينشر بترتيب خاص مع خدمة" كريستيان ساينس مونيتور"