في أجواء الرطوبة العالية التي تسود شمال كمبوديا، حيث الزوارق هي الوسيلة الوحيدة للنقل، يوجه رئيس عمال من شركة إنشاءات صينية تعليماته للعمال المحليين بحمل الحجارة إلى حواف منحدرات جسر شبه مكتمل. وغير بعيد، يقوم مهندسون من شركة إنشاءات شنغهاي بنصب أكثر من اثني عشر عموداً كهربائياً من الخرسانة تعبر أحد روافد نهر "ميكونغ" العظيم، ما يعد إنجازاً تقنياً سيساعد على ربط طريق تمتد على مسافة 1200 ميل من مدينة "كانمينغ" جنوب الصين عبر لاوس إلى ميناء "سيهانوكفيل" الكمبودي على خليج تايلاند. هذا هو الوجه الجديد لمساعدات الصين الخارجية إلى البلدان الآسيوية الفقيرة: إنشاءات صعبة في الأماكن النائية تفيد الدول المحتضنة لهذه المشاريع، ومعها الصين أيضاً. وفي هذا الإطار، يقول "جي زين"، وهو واحد من بين أكثر من 50 مهندساً و250 عاملاً صينياً آخرين يعملون بالمشروع الذي تبلغ فترة إنشائه 4 أعوام "إنها هدية من حكومتنا للشعب الكمبودي". تقدم الصين، التي تتوفر على ألف مليار دولار من العملة الصعبة والتواقة إلى أن يعم الاستقرار الدول المجاورة لها في جنوب شرق آسيا، قروضاً كبيرة من أجل تمويل مشاريع كبيرة في البلدان التي كانت في ما مضى من مجال اختصاص البنك الدولي، والبنك الإنمائي الآسيوي، والولايات المتحدة، واليابان. وفي أفق اجتماع البنك الدولي المقبل في سنغافورة في التاسع عشر والعشرين من سبتمبر الجاري تبدو الصين، التي تعد واحدة من أكبر زبائن البنك، تزعزع بهدوء قطاع المساعدات في آسيا، متنافسة مع البنك في مجال اختصاصه. وتعد القروض التي تقدمها الصين بالنسبة للبلدان الفقيرة مثل كمبوديا ولاوس وميانمار (بورما سابقاً)، والبلدان الأحسن حالاً نسبياً مثل الفلبين، أكثر جاذبية من القروض المعقدة والمشفوعة بجملة من الشروط التي يقدمها الغرب. ذلك أن المال الصيني عادة ما يأتي من دون عراقيل من قبيل المعايير البيئية أو إعادة نقل الأهالي، وهو ما قد يعطل تنفيذ المشاريع الكبرى. كما أن المساعدات لا تنطوي على عقوبات على الفساد كما هو معمول به على نحو متزايد من قبل رئيس البنك الدولي "بول وولفوفيتز". علاوة على ذلك، فإن قروض الصين قلما تضم عبء الاستشاريين الباهظين، وكلها شروط تميز مشاريع البنك الدولي. ومن جهتها، تستفيد الصين من البنى التحتية المضافة –من قبيل الطرق والموانئ والجسور- في المنطقة غير النامية والمتزايدة حولها، في المساهمة في زيادة حجم التجارة ونقل الثروات الطبيعية من محيط الصين إلى عمقها. ويوضح "ليكون جين"، نائب رئيس البنك الإنمائي الآسيوي ونائب وزير المالية الصيني السابق، في حوار بمقر البنك في العاصمة الفلبينية مانيلا أن الصين فكرت بتروٍّ بشأن كيفية توظيف ثروتها المتزايدة قائلاً: "إن الصين تجذب الرأسمال الخارجي، ومن أجل خلق نوع من التوازن تسعى الصين لمساعدة بلدان المنطقة عبر تمويل مشاريع البنى التحتية"، مضيفاً: "لا ضير في أن يساعد المرء جيرانه على العيش الكريم". كما قال: "إن الصين لا تخفي رغبتها في أن يسود السلام محيطها من أجل تطوير اقتصادنا". ومن المرجح أن تكون آثار ذلك كبيرة. وفي هذا السياق، يقول "توم كراوتش"، مدير فرع البنك الإنمائي الآسيوي بالفلبين: "إنه لاعب كبير جديد يدخل الساحة وله مؤهلات تغيير معالم مساعدات التنمية الخارجية". ومما يذكر أن الصين منحت في السنوات الماضية بلداناً أفريقية، حيث تشتري النفط والغاز، عدة مساعدات، من بينها بلدان حيث تحكم حكومات يصفها الغرب بغير الديمقراطية مثل نيجيريا والسودان وأنغولا. وحتى إبان الحرب الباردة، كانت الصين توزع مساعداتها على عدة دول أفريقية، أحياناً من أجل خلق نوع من التوازن مقابل المساعدات التي تقدمها دول منافسة، التي كانت تتلقى مساعدات من تايوان. ففي الستينيات والسبعينيات مثلاً كانت الصين تساعد أنغولا، في حين كانت تايوان تساعد جنوب أفريقيا. وقد أثار الكرم الصيني تجاه كمبوديا انتباه واشنطن. إذ تعتزم البحرية الأميركية زيارة ميناء "سيهانوكفيل" مطلع العام المقبل، في خطوة تعد الأولى من نوعها منذ أن استولى "الخمير الحمر" على السلطة هناك عام 1975. وفي الفلبين، تعتزم الصين أيضاً إنفاق مبالغ ضخمة، حيث عرضت حزمة مذهلة من المساعدات يبلغ مجموع قيمتها ملياري دولار سنوياً على مدى ثلاثة أعوام عبر "بنك الصادرات والواردات" الصيني. وهو ما يجعل من الـ200 مليون دولار التي عرضها البنك الدولي والبنك الإنمائي الآسيوي، يقول مسؤولون من البنكين، تبدو هزيلة؛ علاوة على أنها تجاوزت بسهولة مساعدة المليار دولار التي توجد قيد المفاوضات مع اليابان. رسمياً، يقول البنك الدولي إنه غير معني بالتنافس من قبل برنامج المساعدات الصيني. وفي هذا الإطار، يقول "هومي خراس"، رئيس قسم شرق آسيا والمحيط الهادي بالبنك: "إن أهم تأثير للصين على تنمية هذه البلدان هو التجارة، وليس المساعدات"، مضيفاً أن الصين ركزت مساعداتها، وجلها موجه لتمويل البنى التحتية، على خدمة التجارة في المنطقة، وتلك نتيجة جيدة ومفيدة للدول الفقيرة. جين بيرليز ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسلة "نيويورك تايمز" في "ستانغ ترينغ"- كمبوديا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"