مقال قيّم نشره الباحث الأكاديمي حامد عمار, من مصر، في مجلة "العربي" الكويتية ( أغسطس 2006), بعنوان "من مناهج التعليم الديمقراطي: إحياء فن المناظرة والحوار", وفيه يتحدث عن أهمية تعليم وشيوع ثقافة الحوار في التعليم وفي الحياة ضمن منظومة النظام الديمقراطي, حيث يختم مقالته القيّمة بالقول "إنه لا يمكن أن يُكتفى في بناء نظام ديمقراطي سديد، بالاقتصار على الهياكل والمؤسسات النيابية, وإنما يستلزم فاعلية النظام عقلية دينامية تشكلت بفلسفة الحوار والمناظرة, واحترام الرأي الآخر, وغلبة النقد الواعي على نهج التسلط المعرفي أو التعبئة الأيديولوجية أو إنكار حقوق المختلفين. إن تلاقح الآراء وتصارعها هو جوهر الوجود الإنساني والطاقة المحركة لمسيرة العمل الديمقراطي". وبرغم دقة التشخيص للواقع المتردي للحياة العربية بشكل عام في كل المجالات من جهة, وأهمية الحوار من جهة ثانية, فإن ما فات الأستاذ الباحث في الموضوع، عدم التأكيد على أهمية الحرية المطلقة للرأي في النظام الديمقراطي وبما تمثله هذه الحرية من جوهر الحوار, بمعنى أن أي حوار بدون حرية لا قيمة ولا فاعلية له. وأكرر الحرية المطلقة في إعلان الرأي وممارسة التعبير بدون قيود قانونية أو دينية أو اجتماعية, وأشدد هنا على أن هذه الحرية تتصل بإبداء الرأي حول مختلف القضايا دون تجريح للآخرين، سواء كانوا شخصيات خاصة أو عامة. ولا أدري عن مدى اطلاع السيد الباحث على القوانين المنتهكة لحرية التعبير والتي تعمل بها كل الدول العربية بدرجات متفاوتة من الشدة, باستثناء لبنان الذي يُعد الأفضل بين جميع الدول العربية في مجال حرية التعبير. قانون الجزاء والذي وضع أصلاً للجرائم والجنايات، يتعامل مع القضايا الفكرية باعتبارها جنحاً تقع تحت طائلة القانون إذا تعرضت للدين أو الدول العربية أو الجنس أو الآداب العامة. ولن أذهب بعيداً, إذ تكفي الإشارة إلى ما حدث لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بعد كتابة "في الشعر الجاهلي", من استجواب في النيابة العامة, وهي عملية إرهاب للحرية الفكرية باسم القانون لا تزال قائمة إلى اليوم. ودعْ عنك إرهاب الجماعات الدينية الذي تشجعه الحكومات العربية من خلال القانون، سواء الجزائي أو قانون المطبوعات والنشر, إضافة للإرهاب الاجتماعي الذي يمارسه العوام. وبالتالي لا يمكن أن تقوم للحوار قائمة في حياة الإنسان العربي ما دام يعيش حياة الخوف ويحسب ألف حساب قبل أن ينطق بالكلمة. ولا يغيب عن الذهن أن التراث العربي كما يتجسد في الأمثلة الشعبية لا يشجع على الحوار (الصمت زين والسكوت سلامة...), و(لسانك حصانك...)، وقل ما شئت من أمثلة شعبية سخيفة تدل على عقلية الاستعباد لا الحرية. بل وكيف لأي إنسان أن يدخل في عملية الحوار وهو يعلم أن هناك استحقاقات سياسية واجتماعية بل وحتى جنائية فيما لو تجاوز الخطوط الحمراء في النقاش أو الحوار! كيف يمكن أن تتضمن العملية التعليمية الحوار والمطلوب من الطالب ألا يفكر فيما يتم تلقينه له! كيف يمكن أن تقوم للحوار قائمة ونحن نعلِّم الإنسان أن صغر السن يحول دون المرء وعقله (أكبر منك بيوم, أخبر منك بسنة). بالله عليكم كيف يمكن أن تكون للحوار قيمة وهذه العقلية يتم تمجيدها في المجتمع؟ إن نجاح فكرة أو فضيلة الحوار في المجتمع يرتبط ارتباطاً عضوياً بالحرية المطلقة للتعبير والرأي, في حين أن المجتمع والدولة في العالم العربي يقومان على الاستبداد السياسي والاجتماعي والديني الذي يمارسه السياسي ورجل الدين والأب والأم والأستاذ والمدير. وبذلك يكون الحوار فكراً قبل أن يتحول إلى الممارسة الاجتماعية أو التعليمية أو السياسية. والمشكلة في الأمر كله أن الحوار ليس فضيلة عربية.