كشفت الهجمات التي وقعت على مبنى مركز التجارة ومقر "البنتاجون" في الحادي عشر من سبتمبر 2001 عن خلل جوهري في أجهزة الاستخبارات الأميركية، خصوصاً وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي.آي.إيه" ومكتب التحقيقات الفيدرالي "إف. بي.آي"، بيد أن عدم وقوع هجمات على أميركا منذ ذلك اليوم يشير إلى أن عمليات إعادة التنظيم والإصلاح التي تمت على مدار السنوات الخمس الماضية، بالإضافة بالطبع إلى زيادة يقظتنا قد جعلت الولايات المتحدة أكثر أمناً. غير أن صورة الاستخبارات تظل مُعقدة مع ذلك مما يدعونا إلى القول إن هناك حاجة إلى المزيد من العمل حتى نقلل من حجم انكشافنا أمام الإرهاب الدولي. كان هناك العديد من الإنجازات الجديرة بالملاحظة في هذا الشأن منها النجاح العملياتي الذي حققته الـ"سي. آي. أيه" ضد تنظيم "القاعدة" منذ 2001. ففي الوقت الذي تم التركيز فيه بشكل كبير على إخفاق الوكالة في القبض على أسامة بن لادن إلا أنه لم يتم بذل اهتمام كافٍ بالتدمير اللوجستي والمالي الذي ألحقته الوكالة بـ"القاعدة"، والذي حد من قدرة بن لادن على التخطيط لعمليات داخل الولايات المتحدة ومتابعتها، كما حد من قدرته على العمل في الخارج. علاوة على ذلك عملت "سي.آي.إيه" و"إف.بي.آي" ومكاتب الاتصال الاستخباراتي بشكل جيد وفعال، ونجحت في قتل، والقبض على كبار قادة "القاعدة". وقد أتاح إنشاء مركز مكافحة الإرهاب في يناير 2005 الإمكانية لتكوين أول مستودع مركزي لمعلومات الإرهاب، وتحقيق درجة أكبر من التواصل بين الوكالات الاستخباراتية البالغ عددها 16 وكالة من جهة وبين قواعد البيانات الخاصة بها من جهة أخرى. وعلى الرغم من أن جزءاً كبيراً من الموظفين في مركز مكافحة الإرهاب ينتمون إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية فإن معظم الوكالات ممثلة فيه وممثلوها مكلفون بتقاسم المعلومات معها. ومع ذلك لا يزال هناك نقص في كمية المعلومات المتدفقة بين الوكالات الاستخباراتية الفيدرالية واستخبارات الولايات المختلفة، علاوة على أن القيادة العسكرية للمركز الوطني لمقاومة الإرهاب، تبدو غير قادرة على رعاية وإدامة الاستخبارات الاستراتيجية المطلوبة من أجل الحملة طويلة الأمد ضد الإرهاب. علاوة على ذلك فإن المركز لم يتخلَّ على ما يبدو عن المفهوم المعروف بـ"مركز الصهر" والذي يتم بموجبه المزج بين مهام محللي الاستخبارات والعملاء السريين، والذي أدى -على أرض الواقع- إلى تسييس الاستخبارات بمعنى أن عملاء الاستخبارات أصبحت لهم القدرة على التأثير في المنتج الاستخباراتي النهائي. لا يزال هناك الكثير مما يتعين عمله في هذا السياق. غير أنه تلزم الإشارة هنا إلى أن المقترح الخاص بتعيين مدير للاستخبارات الوطنية كان مقترحاً سيئاً زاده سوءاً التضخم البيروقراطي. فالميزانية المخصصة لمكتب المدير تبلغ مليار دولار، كما أن عدد العاملين بالمكتب يصل إلى 1000 موظف منهم الكثيرون مما كانوا يشغلون مناصب كبيرة في "سي.آي.إيه" وغيرها من الوكالات الاستخباراتية، وهو ما أدى إلى المزيد من الضعف في أداء تلك الوكالات. علاوة على ذلك، لم يتم عمل الكثير بشأن الحد من سيطرة "البنتاجون" على ما يقارب 85 في المئة من ميزانية الاستخبارات و90 في المئة من العاملين في أجهزتها، إلى درجة أن "ستيفن كامبون" وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات، لديه قدر من النفوذ بالنسبة لتسيير الأعمال الإدارية اليومية لأجهزة الاستخبارات يفوق ذلك الذي يتمتع به "جون دي. نيجروبونتي" مدير الاستخبارات الوطنية. إن الأخطاء والمثالب الجوهرية لوكالة "سي.آي.إيه" والتي أدت إلى إخفاقها في الحيلولة دون وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر ظلت إلى حد كبير دون تصحيح. علاوة على ذلك نجد أن الأنشطة القانونية المتزايدة خصوصاً المتعلق منها بتسليم المشتبه بهم والسجون السرية، أدت إلى تعقيد مهمة المحافظة على علاقات موثوق بها مع الحلفاء في إطار الحرب ضد الإرهاب. ومما يذكر في هذا السياق أن السلطات الإيطالية قد طلبت مؤخراً تسليم 24 من عملاء "سي.آي.إيه" الذين أدت حرفيتهم التي تدعو للرثاء إلى ترك آثار أصابع الوكالة على الأعمال التي كانوا يقومون بها هناك من أجل تسليم المشتبه بهم. أخيراً وليس أخراً نجد أن أداء وزارة الأمن الداخلي الذي يفتقر إلى الكفاءة مع التداعيات الناتجة عن إعصار "كاترينا"، والحملة التي تميزت باللامبالاة والاستهتار التي قام بها "مكتب التحقيقات الفيدرالي" ضد المهاجرين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة قد أظهرت أنه لا يزال هناك الكثير مما يتعين عمله في تلك الوكالات. إن الأمة تفتقر إلى وجود مستودع مركزي واحد لجميع المعلومات المتعلقة بالإرهاب داخل الوطن وخارجة، ويجب أن تكون وزارة الأمن الداخلي هي مقر هذا المستودع. علاوة على ذلك تلزم الإشارة إلى أن "مكتب التحقيقات الفيدرالي" لا يزال يفتقر إلى نظام كمبيوتر فعال للتنسيق بين المعلومات الاستخباراتية، وهو أمر يعد حيوياً من أجل منع وقوع هجوم إرهابي آخر. ولعل أكبر انتكاسة أصيبت بها جهود الولايات المتحدة في مجال مقاومة الإرهاب تمثلت في تلك الحملة العسكرية ذات الأكلاف المادية والبشرية الباهظة في العراق، والتي أدت إلى خلق مصادر جديدة للإرهاب، وإلى تجنيد المزيد من الإرهابيين، مما أدى في النهاية إلى إضعاف الحملة ضد الإرهاب. وأضر بجهود حماية الأمن القومي للولايات المتحدة، ويكفي للتدليل على ذلك أن نعرف أنه كان هناك عدد محدود جداً من "الجهاديين" في العراق قبل أن نقوم بغزوه. على وجه الإجمال يمكن القول إن التغيرات التي تمت عقب الحادي عشر من سبتمبر قد جعلتنا أكثر أمناً في الوطن على المدى القصير.. ومع ذلك فإنه طالما ظل الإرهابيون قادرين على العمل في مختلف أنحاء العالم، فإننا يجب أن نطالب بأن تكون هناك إدارة أفضل لاستخباراتنا التي تبلغ ميزانياتها 45 مليار دولار ولوزارة أمننا الداخلي التي تبلغ ميزانيتها 40 مليار دولار. ميلفين جودمان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محلل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"