في البداية كان يطلق عليها حرب "أتشولي". ورغم وحشيتها، إلا أن القليل من الناس فقط خارج أوغندا هم من كانوا منتبهين إليها، حين كانت ميليشيا "جيش الرب"، وهي جماعة دينية متمردة، تخلق بعداً جديداً من للعنف عبر إنشاء جيش مؤلف من الأطفال المختطفين وإجبارهم على إضرام النار في المنازل وبتر الشفاه وقتل المواليد الجدد. غير أن أعمال القتل توقفت اليوم لأول مرة منذ عشرين عاماً؛ حيث وقع زعماء المتمردين، الذين تقلص تأييدهم وأصبحوا منعزلين، على اتفاق لوقف إطلاق النار في السادس والعشرين من أغسطس. أما بخصوص حظوظ صمود هذا الاتفاق، فذاك أمر يتوقف في الواقع على ما إن كان "جوزيف كوني"، قائد المتمردين الشبح، الذي يقال عنه إنه يعيش دخل الغابات رفقة 60 عروساً طفلة، وكبار مساعديه، سيحصل على العفو. والحقيقة أن ذلك غير أكيد على اعتبار أنهم متهمون من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. إلا أن هذا هو أقصى ما وصل إليه أي اتفاق سلام بين الحكومة والمتمردين، وهو ما ينعش الآمال في إمكانية انتهاء واحدة من حروب أفريقيا الأكثر غرابة ووحشية، والتي حصدت عشرات الآلاف من الأرواح. ويتوق ضحايا هذه الحرب كثيراً إلى تجاوز الأيام السوداء إلى درجة أنهم يرغبون في الصفح، بقدر ما يرغبون في النسيان. ولعل أحد أفضل أمثلة ذلك "كريستا لابول"، التي تم بتر أذنيها وشفتيها من قبل جنود تقول إنها ترحب بعودتهم اليوم. وأضافت "لابول" بفم لا تستطيع إغلاقه "الله وحده من يستطيع الحكم". وبطبيعة الحال، لم يغادر المتمردون الغابات بعد؛ إذ ما زال الكثير منهم مختبئاً في الجزء الشمالي من الكونغو النائي والمفتقر إلى حكم القانون. كما أن بعض الناس يتساءلون عما إن كان "جوزيف كوني"، الذي يقول لجنوده إنه مسكون بالأرواح، سيستسلم أم لا، إذ يشدد "كوني" على أنه لن يفعل ذلك إلا إذا صدرت تعهدات بعدم متابعته قضائياً. والحال أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرات اعتقال بحق "كوني" وأربعة من قادته، في حين أعلن مسؤولو الحكومة الأوغندية أنهم سيعملون على أن يستفيد المتمردون من العفو في حال استسلامهم. غير أن المتمردين يقولون إنه لابد من صدور العفو أولاً. وبالتالي، فهو مأزق يبدو أن المحكمة الدولية هي الوحيدة القادرة على الخروج منه. غير أن المحكمة، التي أنشئت عام 1998، لم تفصح عما تعتزم فعله حتى الآن. وفي هذا الإطار، تقول "كلوديا بيردومو"، المتحدثة باسم المحكمة، "لم يسبق لنا أن واجهنا وضعاً مماثلاً". والحال أن لشعب "أتشولي" حله الخاص به. إنه "ماتابوت" –وهي كلمة تعني شرب جذر مُر من كأس مشتركة- عبارة عن مراسيم مصالحة تقليدية؛ حيث يقول زعماء "أتشولي" إن السلام أهم من العقاب، ويفضلون عودة كوني إلى غولو من أجل "ماتابوت" بدلاً من أن يقبع في أحد السجون الأوروبية. ورغم أن الاقتتال قد يكون قد انتهى، إلا أنه يبدو أن معركة جديدة قد بدأت للتو: معركة التقاليد في مواجهة الحداثة. ويقول "كولينز أوبوكا"، وهو أحد زعماء "أتشولي"، "إننا في ثقافتنا لا نحب معاقبة الناس ذلك أنها لا تجدي نفعاً كبيراً". منذ حوالى 1988، أرعب المتمردون شعبهم، حيث قاموا بأعمال الاغتصاب والسطو والقتل في بلاد "أتشولي". ونتيجة لذلك، القليل من الكبار فقط هم من كانوا ينضمون إلى حركة "كوني" الطائفية والمتعطشة للدماء. وبالتالي، فسرعان ما اقتصر المجندون الجدد على الأطفال، الذين كان يجند معظمهم عنوة. وأمام استشراء أعمال العنف، اضطر نحو مليوني شخص إلى مغادرة قراهم ليبحثوا لأنفسهم عن الملجأ في المخيمات الحكومية. وقد استمر ذلك لسنوات عدة بدعم من الحكومة السودانية، التي أمدت المتمردين بالسلاح والمأوى رداً على الدعم الأوغندي للتمرد المسيحي جنوب السودان. غير أنه بحلول 2002، عندما عقدت الحكومة السودانية اتفاق سلام مع الانفصاليين الجنوبيين، أوقفت دعمها لـ"جيش الرب للمقاومة". فانتقل "كوني" –ومعه حراسه الشخصيون وحريمه- إلى الكونغو، حيث –تقول مصادر عسكرية أوغندية- أقاموا مملكة عبيد. ومنذ ذلك الوقت، تقلص جيش المتمردين إلى أقل من 2000 مقاتل. وقد تجاهل الغرب تقريباً هذه الحرب، مُركزاً أكثر على رواندا والصومال وإقليم دارفور السوداني. غير أنه في 2005، أقنعت الحكومة الأوغندية المحكمة الدولية بإصدار مذكرات اعتقال في حق "كوني" ومساعديه. حسب تقاليد "أتشولي"، تُقبل عودة القتلة إلى المجتمع بعد أن يدفعوا تعويضاً ويعترفوا بما اقترفوه من ذنب ويشتركوا في الطعام، الذي عادة ما يكون خروفاً مشوياً، مع أقارب ضحاياهم. وهذه هي مراسيم "ماتابوت" الذي يعود أصله إلى الأيام التي كانت فيها العشائر ملتحمة ومترابطة جداً بحكم الزواج والتجارة، ولم تكن تملك استعداء بعضها بعضاً. وقد استحسنت الحكومة الأوغندية أخيراً هذه الفكرة، ووقعت اتفاقاً لوقف لإطلاق النار مع المتمردين أصبح ساري المفعول في التاسع والعشرين من أغسطس. ومنذ ذلك الوقت، خرج بعض الجنود المتمردين من مخابئهم؛ إذ تجمعوا بنقاط محددة جنوب السودان حيث ينتظرون إلى حين التوصل إلى اتفاق سلام كامل. ورغم أن بعض مسؤولي الأمم المتحدة لم يخفوا غضبهم إزاء فكرة منح "كوني" وكبار قادته العفو، فإن المسؤولين الأوغنديين يقولون إنهم واثقون من إمكانية التوصل إلى اتفاق. وفي هذا السياق، يقول المتحدث باسم الحكومة الأوغندية، "روبرت كابوشينغا": "يمكننا الذهاب إلى القضاة لنقول لهم إن ثمة ظروفاً جديدة، وإن الإدانات لم تعد ضرورية". جيفيري جيتلمان مراسل "نيويورك تايمز" في "غولو" بأوغندا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"