في إحدى بلاد الله، كان الناس يتظاهرون ضد حاكمهم إدريس مردّدين: "إبليس ولا إدريس"، فاستجاب الله لدعائهم. وأخشى أن تتحقق أمنية شاعر نبطي مجهول يقول في قصيدة له: "ليتني كوري شمالي، شامخٍ والراس عالي، راسي مثل الجبالي، آه يا الكوري الشمالي" إعجاباً منه بمناكفة كوريا الشمالية أميركا. وشيء من هذا الإعجاب ناله "ملالي" إيران من كاتب إماراتي بزعم ذكائهم، الذي يتجلى في نظره، في اهتمامهم بالشباب، ملمِّحاً من بعيد إلى إهمال العرب شبابهم. وتمنى أردني معارض أمنية على قدر عقله وهي أن يكون حذاءً في قدم ابن الجنوب اللبناني تنويهاً بدور الجنوب في حرب الـ32 يوماً. لا يكلّف هؤلاء، وغيرهم ممن يهرفون بما لا يعرفون، أنفسهم البحث في أوضاع الكوريين الشماليين والإيرانيين واللبنانيين ولا حتى متابعة ما تبثه الأخبار عنهم. فالشاعر يحلم بالشموخ الكوري الشمالي، ولا يدري أن هذا الشموخ المزعوم له ثمن يدفعه الشعب على شكل مجاعة متفشية ومنع من التنقل وهروب إلى دول مجاورة ككوريا الجنوبية والصين وتجنيد إجباري لمدة ست سنوات وغيرها من وسائل قمعية تجاوزتها حتى الدول التي علّمت كوريا الشمالية ألف باء الشيوعية. ويمكن التماس العذر للشاعر لأن كوريا الشمالية دولة لا تخرج منها الأخبار ولا تدخل، لكن هل يعذر المغرمون بالتجربتين الإيرانية واللبنانية في حين أن أخبارهما في متناول يد من يريد أن يرى قبل أن يتمنى؟ فالكاتب يأمل في أن يحذو العرب حذو "الملالي"، ومن نعم الله على العرب أن أكثر حكامهم لم يستفيدوا من تجربة "الملالي"، فيُلبِسوا شعوبهم كما يريدون، ويُنطِقونهم كما يقولون، ويبكونهم متى ما يعلنون، ويسوقونهم للحرب متى ما يغضبون، فيكون طريقهم إلى المخدرات سالكاً، وهي أرخص هناك من السجائر، ليشغلوهم بأنفسهم بعد أن يئسوا من الحصول على عمل وليس في أفقهم خيط أمل، بل ويستطيع المعجبون بتجربة "الملالي" أن ينظروا حولهم لحال الإيرانيين الذين يعملون بينهم خبّازين وفرّاشين ومستبدلي إطارات، على الرغم من ثروات بلادهم الهائلة لدرجة أنها باتت تبعثرها في الترف النووي، وليس هناك أبلغ وأوجز لحالهم من كلام إيراني تحدث في فضائية معارضة لائماً الشاه الراحل لأنه لم يقطع رجله حين كان يتظاهر ضده لصالح "الملالي الأذكياء". أما صاحب أمنية الحذاء، فيمكنه ببساطة أن يرسل فلذة كبده، بعد أن يملأ منه عينه، ليعيش أجواء الخوف والحرمان في جنوب لبنان، ليتمنى بعد ذلك أن يصبح حذاء في قدم قرّة عينه لا في قدم ابن الجنوب. يحق للمرء أن يتمنى أن يكون جبلاً كورياً ومفاعلاً إيرانياً وحذاءً لبنانياً، لكن حتى تكون الأماني واقعية ولا تثير الضحك، فعلى المتمني أن يعيش الدور ولمدة شهر واحد فقط، فيضع نفسه وأسرته على المحكّ ليختبر قدرته على العيش في عشّ الدبابير وتحمّل كوريته أو إيرانيته أو لبنانيته. فإن نجح، فخير وبركة، وله كامل الحق في طلب اللجوء لهذه البلاد، فـ"ليس بلد بأحقّ بك من بلد، خير البلاد ما حملك"، كما يقول الإمام علي، أي البلد الذي تطمئن فيه على وجودك وحقوقك ومصيرك. أما التمني من بُعد آلاف الأميال ومن خلف شاشات الفضائيات، فدليل على ضيق الأفق وبرودة القلب.