هناك بيت شعر إنجليزي قديم يقول "إن رائحة الزهرة تظل ذكية حتى لو أطلقنا عليها اسما آخر". هذا صحيح. ولكننا لو أطلقنا على تلك الزهرة اسما آخر، فإن ذلك قد يكون مكلفاً جدا على الأقل إذا ما كان للبرلمان الأوروبي دخل في ذلك. فمع وجود إحدى وعشرين لغة رسمية في البرلمان الأوروبي فإن قدرة ممثلي الدول المختلفة الأعضاء في البرلمان على مناقشة هذه الأمور الدقيقة الخاصة بالزهور أو أي شيء آخر في الحقيقة- كل بلغته الأم- يمكن أن يكلف دافعي الضرائب في دول الاتحاد 118 ألف يورو يومياً. هذا يبدو مبلغاً كبيراً، وهو ما دفع العضو الفنلندي "الكسندر ستاب" إلى التفكير في محاولة للقيام بشيء لتقليص هذه النفقات الباهظة. ولكنه عندما بدأ محاولته لم يكن يتوقع حجم الرفض الفلسفي، الذي واجهه. يقول "ستاب" الذي تعرض تقريره الأول الذي أعده عن الموضوع إلى نقد شديد: "لقد كنت أعرف على الدوام أن اللغات موضوع حساس، ولكنني لم أكن أتوقع أن يكون على هذا القدر من الحساسية العميقة التي صدمتني بقوة". ولكن تقريره النهائي والمخفف اللهجة الذي أعده بعد رفض تقريره الأول- ووافق البرلمان الأوروبي عليه بالإجماع من قبل - استلزم منه جهدا ًكبيراً للتأكيد على أهمية التعدد اللغوي باعتباره مظهراً من مظاهر التنوع الثقافي الذي يدعمه هو بقوة. ولكن التقرير احتوى على ملاحظات مهمة منها أن تكلفة الترجمة في البرلمان يمكن تقليصها بحيث لا تزيد عن 8,900 يورو يومياً إذا ما اقتصر البرلمان على استخدام ثلاث لغات فقط. ولكن هذا الوفر المغري قد لا يتحقق أبداً كما يقول "ستاب" لأن الكثير من الأعضاء يعتبرون أنهم عندما لا يتحدثون بلغتهم الأم، فإن ذلك يقلل كثيراً من قيمتهم. وهو يقول إنه يعرف أن العضو الإسباني في البرلمان يتحدث اللغة الإنجليزية والفرنسية بطلاقة، ولكنه مع ذلك لا يستخدم سوى الإسبانية في الجلسات البرلمانية خوفاً- كما يقول- من "المذبحة" التي يمكن أن يتعرض لها في وسائل الإعلام في بلاده بالإضافة إلى خطاب التحذير الذي يمكن أن يصل إليه من قيادة حزبه إذا ما استخدم أي لغة أخرى. وفي الحقيقة أنه ليس هناك في البرلمان الأوروبي من هم أكثر حرصاً على المحافظة على وضع لغتهم من الفرنسيين الذين تقوم مؤسستهم الأكاديمية الذائعة الصيت "أكاديمي فرانس" بحراسة النقاء اللغوي لبلادهم لقرون عديدة. ولكن "جيرهارد سلم" الأستاذ في جامعة باريس في "نانتير" يقول إن اللغة ليست مسألة ميول وطنية فقط، وإنما هي تحتوى أبعاداً سياسية وأيديولوجية واقتصادية". "جيرهارد" قال ذلك بعد عودته من مؤتمر علمي في جنيف شعر فيه بعدم الراحة، وهو يقدم محاضراته وأوراقه باللغة الإنجليزية التي يقول إنها لم تكن هي فقط السائدة كلغة في هذا المؤتمر بل إن طريقة التفكير والمجادلة باللغة الإنجليزية كانت مسيطرة على أجواء المؤتمر كذلك، وهو ما جعله يشعر بعدم الراحة وبأنه محروم من المزايا التي كان يحظى بها زملاؤه الإنجليز والأميركيون. واللغة لا تؤثر على طريقة التفكير والمجادلة فقط، ولكنها تؤثر كذلك على الطريقة التي يتم استقبال العضو بها حسبما يرى "ستاب" الذي يقول إنه قد لاحظ أنه عندما كان يتحدث بالإنجليزية فإنه كان يحظى بقدر أكبر من الاهتمام من ذلك الذي كان يمكن أن يحصل عليه إذا ما كان قد تحدث بلغته الأم أو حتى بلغة أخرى غير الإنجليزية. ولكن إذا ما كان جميع أعضاء البرلمان الأوروبي سيتحدثون بالإنجليزية فإن ذلك سيحرم البرلمان من بعض اللحظات المرحة النادرة. يحكي ستاب قائلاً: إن هناك قصة أسطورية عن وزير فنلندي كان يتحدث بلغته الأم وقام بإلقاء نكتة في اجتماع عام، فما كان من المترجم الجالس في المقصورة سوى أن قال إن الوزير يلقي نكتة الآن، ولكنني لا أفهمها للأسف وسأكون ممتناً لو تفضلتم بالضحك. وقال "ستاب" إن الأسوأ من ذلك هو أن يقوم أحد الأعضاء بإلقاء نكته ثم عندما يقول والآن ننتقل إلى موضوع جاد ينفجر الجميع بالضحك". كريستا كيس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسلة "كريستيان ساينس مونيتور" في برلين ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"