لا بد أن تكون ظروف أي شخص قد وصلت إلى حد كبير من السوء بحيث يصبح القيام بزيارة إلى مدينة رام الله الفلسطينية فرصة جيدة للهرب بعيداً. على أي حال، هذا هو المكان الذي ذهب إليه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير– المطارد في بلده من أعضاء حزبه- يوم الأحد الماضي. وبلير المدافع الأكبر في الخارج عن سياسات أميركا أمضى الأسبوع الماضي كله، كما لو كان ينتزع الخناجر التي أصابته في كل مكان في جسمه. فمنتقدوه داخل حزبه أصروا على أنه يجب أن يحدد تاريخاً لموعد استقالته، ولا يتركه مفتوحاً. وهذا الاقتراح إذا ما قام بلير بتنفيذه سيعني أنه سيصبح ليس فقط شخصا عاجزا عن الحركة خلال المدة الباقية له وإنما سيكون "قعيداً تماماً". ولكن العزاء الوحيد لتوني بلير أنه لو تقاعد مبكراً فلن تعوزه فرصة الحصول على عروض عمل من الخارج. فإذا ما عادت بنا الذاكرة إلى الوراء وتحديداً إلى عام 2001 فسوف نتذكر أن بلير قد أدلى بحديث في ذلك العام لصحيفة "الصنداي تلغراف" قال فيه وقد بدت عليه علامات التفكير العميق: إنه يعد نفسه محظوظا للغاية" لأنه سيخرج من منصبه قبل أن يصبح غير قادر على العمل وهو ما سيتيح له وقتا للقيام بعمل آخر غير رئاسة الوزارة. والمرجح أن هذا الشيء الآخر الذي كان بلير يقصده في ذلك الوقت سيكون في الجانب الآخر من الأطلسي، حيث يشتد الطلب عليه كثيراًَ، مما يعني أنه قد يكسب المزيد من الأموال هناك، وهو شيء مهم لرجل يحب الحياة الرغدة ويحتاج إلى المال لدفع قيمة الرهن العقاري لمنزله اللندني الفاخر الذي تبلغ قيمته ستة ملايين دولار. وإذا ما صدقنا ما يقال في الصحف البريطانية، فإن هناك مؤسسات أميركية منها "مجموعة كارلايل" وجامعة "جورج تاون" الذي ألقى فيها بلير كلمة نالت الإعجاب العام الماضي تسعيان إلى التعاقد معه. ولكن المؤسسات الأميركية في رأيي يجب أن تصدر حظراً على توظيف بلير في الولايات المتحدة الأميركية. صحيح أن الرجل كان خير أصدقاء أميركا في الخارج وصحيح أيضاً أنه وقف إلى جانبها في أوقات الحروب والشدة، إلا أن هذا السبب تحديداً هو الذي يجعلنا نقول إن مصالح أميركا سيتم خدمتها بشكل أفضل، لو ظل بلير في بريطانيا حيث يمكنه أن يدلل على مدى قوة الروابط التي توحد بين بلاده والولايات المتحدة، وذلك بعد مرور بعض الوقت على تقاعده حيث يكون ساعتها قد بدأ يستعيد سمعته بشكل تدريجي. ولكن بلير إذا ما عرضت عليه وظيفة ذات مرتب مغرٍ بالدولار ووافق عليها، فإنه سيلحق بصف طويل من زعماء وسياسيي العالم السابقين الذين انتهى بهم دفاعهم عن القيم الأميركية إلى العمل بعد تقاعدهم في الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات الأميركية. صحيح أنه شيء يدعو للغبطة أن يكون لدينا هذا العدد من المتعاطفين مع القيم الأميركية على أرضنا. ولكن الحقيقة أن أميركا الآن في وضع لا يسمح لها باستنزاف عقول الدول الأخرى وإنما هي بحاجة إليهم حيث هم، وخصوصا في حرب الأفكار التي تخوضها على اتساع العالم. وفي الوقت الذي تنظر فيه أميركا بقلق جنوباً وتحديداً نحو المد الشعبوي المتصاعد للرئيس الفنزويلي هوجو شافيز، فإنها يجب أن تأسى لأن هناك اثنين من كبار المؤيدين لسياسات الأسواق الحرة مستقران الآن في أميركا وهما الرئيس البرازيلي السابق "فرناندو هينريك كاردوسو"، الذي روض اقتصاد بلاده وحول شكل اقتصادها، والذي يعمل الآن أستاذا في جامعة "براون" الأميركية. وهناك أيضا وزير المالية ورئيس الجمهورية المكسيكي السابق خلال حقبة التسعينيات وحليف الولايات المتحدة "ايرنستو زيديللو" الذي عاد مرة أخرى للعمل في الجامعة التي تخرج منها وهي جامعة "يل". وإذا ما تذكرنا السجال الدائر حول الراديكالية الإسلامية في البلدان الأوروبية، فإنه قد يهمنا أن نعرف أن السياسية الهولندية من أصل صومالي "إيان حرسي علي"، والتي كانت قد اكتسبت شهرة من خلال كتابتها لسيناريو فيلم "الخضوع"، الذي يتناول دور المرأة في الإسلام، والتي كانت منخرطة في سجال استفزازي ولكنه مفيد في هذا البلاد مؤداه أن القيم الهولندية يجب أن تسود على ما عداها من القيم داخل الأراضي الهولندية، قد استقر بها الحال الآن في معهد "أميركان إنتربرايز"، على الرغم من أن الدور الذي كان يمكن أن تلعبه لو استمرت في هولندا كان سيكون أفضل من الدور الذي تقوم به في الولايات المتحدة. وهناك أيضا" خوسيه ماريا إثنار" رئيس الوزراء الإسباني السابق، الذي أرسل قوات بلاده إلى العراق على الرغم من معارضة شعبه. فـ"أزنار" لا يعيش الآن في أوروبا حيث كان يمكنه الدفاع عن مزايا السياسات الأميركية، ولكنه انتقل هنا إلى أميركا حيث يعمل الآن باحثا في جامعة جورج تاون ويرأس مجلس إدارة "مجموعة مردوخ للأنباء". إن التعاقد مع الساسة والرؤساء السابقين من أصدقاء أميركا للعمل في الجامعات ومراكز البحث الأميركية لا يعني فقط أن ذلك يعزلهم عن السجالات المختلفة التي تدور في بلدانهم، ولكنه يسيء أيضا إلى سمعتهم في أوطانهم. ليس معنى ذلك أننا نطالب بأن تقوم تلك الجامعات والمراكز بإغلاق أبوابها أمام هؤلاء الأصدقاء من الرؤساء والمسؤولين والسياسيين الأجانب، لأن الجامعات الأميركية على وجه الخصوص تحظى في الحقيقة بشهرة طيبة تؤدي إلى خلق نوع من التماهي مع أميركا والتعاطف مع أزماتها لدى البعض ممن يدرسون بها عندما يعودون إلى أوطانهم. ليس هذا ما نطالب به ولكن ما نود أن نقوله إنه في المدى القصير فإن أكثر خريجي الجامعات والمعاهد الأميركية نبوغا لن يكونوا قادرين على إعادة صياغة مواقف بلادهم نحو أميركا. إن كبار الساسة والمفكرين الأجانب المؤيدين لأميركا يمثلون سلعة نادرة، ولكنها سلعة يجب ألا تتم بعثرتها هنا في جبهتنا الداخلية. إن الولايات المتحدة بحاجة إلى تصدير مؤيدين لها إلى الخارج أكثر من حاجتها إلى استيرادهم. وربما يكون الوقت قد حان الآن كي تقوم بتطويق كل هؤلاء الأجانب المتعاطفين معها والعاملين على أرضها وإعادتهم إلى أوطانهم. جيمس فورسيث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نائب رئيس التحرير في مجلة "فورين بوليسي الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"