كثيراً ما أُعاتب على كثرة ما أشكو وأهجو وأعترض، وكأنني أرتدي نظارة سوداء لا أرى من خلالها سوى العتمة. ربما كان عتباً حقيقياً، وربما كان عتباً لا يرى تشوهات، تدور حولنا وتركن أحلامنا الوردية الزاهية بعيداً، لتبقى هي وكأنها الأصل، والأفضل مؤجل حتى إشعار آخر. هل لابد من مجافاة الحقيقة حتى لا نقع في دائرة السوداوية. على الكاتب أن يرى ما لا يُرى، وأن يسمع ما لا يُسمع، وإلا كيف سيكون له شرف المبادرة ومحاولة التغيير؟! وهذا الشرف لا يمكن بلوغ قمته ما لم نكن ضمن إطار الموضوعية الخالصة دون لعاب يسيل لصفقة تستنزف طرفاً ما لتحقيق مآرب شخصية، وكثيراً ما تكون هذه الصفقات دائرة خلف الحروف والمفردات، يحسب البعض أنها سرية ولا يعلم بها أحد، لكنه ذكاء ناقص حين افترض عدم ذكاء أطراف أخرى عديدة. وحتى التصفيق والثناء لهما ضرورة ملحة لإبراز الجيد دائماً، لكن أيضاً الأمر يستدعي التمحيص والتروي، لأن كثيراً ما نغمط الحق ونجافي الحقيقة حين نثني على أحدهم، وهو في الحقيقة يستدعي الركل والحشو بالتراب. والسؤال الذي كثيراً ما يطرح: كيف لكم بهذه المعلومات؟ ولا أدعي ضرب الودع، لكن للكاتب فراسته وخبرته التي مهرته بها الحياة وشفافها، وله أيضاً مصادره التي تثق بكونه أميناً على سريتها وكتمانها للأسماء دائماً. وهي مصادر تبحث عن فضفضة إيجابية بحيث تجد سبيلها للنشر والانتشار وعرضها على مجتمع القراء، فإن كان هناك من يهتم وله صلاحياته، تحقق المأمول وعولج الأمر، وانتصر المصدر كونه ساهم في رأب صدع ما. لست سوداوية دائماً، لكن تعرية الذنوب واجب ملح، وتبيان الغامض له ضروراته أيضاً، وعليه كان لابد من هم له وطأته الصعبة وله تداعياته والتعاطي مع إنعكاساته ليس بالأمر الهين الطيع. فلكل منا واجبه ونظرته، وكثرة الإنحناء لا تورث إلا الإعاقة وقلة الاحترام من كافة الاتجاهات، وأزعم أن كل ما يخلفه الكاتب بعد نهايته، الذكرى المحترمة بأنه لم يكن ذات يوم ذيلاً لأحد، ولم يحابِ أحداً، ولم يسجد لغير الله رغم أية اعتبارات أخرى. فالشاهد على ذمة الكاتب ما يكتبه بحيث لا يكون هناك لبس في فهم ما يريد إفهامه لقرائه، وقد يتعرض لتجنٍ واتهام أو اعتراض، لكن ذمة المعنى باقية وأساسية في إدراك ما أراده وذهب إليه في فحوى كتاباته. وليت هناك رؤية ملونة نراها على الدوام، ولو كانت هذه الرؤية حاضرة كل نهار، لانتهت مهمة الكاتب عند أعتاب الاطمئنان، ولانتهت أمراض العصبية والقلق والغضب، ولكان الأمر هيناً جميلاً ومبهجاً لدرجة السأم والملل، وربما ذهبنا لوطن آخر، نبحث عن همّ نعيشه ونكتب عنه ونتفاعل مع قضاياه. أقول... ربما.