انتهينا من الحرب الباردة ودخلنا الحرب مع" الفاشية الإسلامية"، طبقا لوصف الرئيس الأميركي جورج بوش. منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 والولايات المتحدة تتزعم الحرب على الإرهاب الذي تقوده جماعات أسلامية متطرفة, انتشرت خلاياها في كل بقاع الأرض. وبالرغم من الحيطة إلا أن هذه الجماعات مازالت فاعلة وتحظى ببعض التأييد على مستوى العامة من المسلمين. الرئيس الأميركي تحدث عن إستراتيجية جديدة تقوم على توسيع الديمقراطية كخيار استراتيجي في حربه على الإرهاب، اعتقاداً منه بأن المزيد من المشاركة الشعبية سيؤدي في نهاية المطاف إلى الحد من بؤر الاحتقان التي غذت ظاهرة الإرهاب وزادت من المخزون البشري لهذه الجماعات. المعركة مع الإرهاب هي في نهاية الأمر تعبر عن نمط من الصراع الحضاري، حتى وإن حاولنا أن نحرر أنفسنا من هذا الهاجس, فالمؤشرات تعزز هذا الاعتقاد. قد تكون الولايات المتحدة محقة في استراتيجية توسيع أطر الديمقراطية، إلا أن الأمر يتعدى ذلك بكثير، حيث احتوى الصراع الجديد على متغيرات حضارية وإنه لا يمكننا التضييق على فرص العنف إلا من خلال فهم أبعاد الصراع, وفهمنا له يجب أن يبنى على قاعدة الاعتراف بالأخطاء التاريخية التي ارتكبها الجميع. أميركا والغرب عليهما أن يتحررا من الربط الوهمي بين الإسلام والوحشية، وأن يدركا بأنه لعقود طويلة عملت وسائل الإعلام على تقديم الشخصية الإسلامية والعربية على أنها شخصية لا هم لها إلا الجري وراء النساء وأنها شخصية معادية للحضارة, إذن ثمة نمطية ترسخت في العقل الغربي، ولم تكن لهذه النمطية علاقة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر. إضافة إلى التاريخ الاستعماري الذي عزز الموقف المناهض للثقافة الغربية. الغرب وإن كان نجح في تقديم خدمات جليلة للبشرية إلا أن ذلك لا يعني أن على الآخرين اقتباس الثقافة الغربية بأبعادها المختلفة, فالتنوع الثقافي حقيقة يجب الاعتراف بها وتعزيز احترامها. الغرب ساند كثيراً من الدكتاتوريات الفاسدة ووسع نفوذها، بينما تقلصت مساحة الحرية والحقوق المدنية في البلاد العربية والمسلمة, فالغرب في أعين العامة يجسد معاني الظلم الذي أحاط بالإنسان وتحول عبر التاريخ إلى مصدر ألم باعتباره القوة الداعمة للسلطة الباطشة. أما النخب الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي، فقد تمتعت بالقوة والاستفراد بالحكم, فانتشر الفساد في محيطها وخصوصاً من المثقفين المتسلقين الذين وجدوا قوتهم في الوقوف مع السلطة. البلاد العربية والمسلمة، سواء منها الفقيرة أو الغنية بالثروات، أصابتها تشوهات ملموسة أجهضت النمو الطبيعي للطبقة الوسطى الرائدة للتغيير، مما منح فرصة سانحة للجماعات المتطرفة كي توسع قواعدها، ليس حباً بفكر هذه الجماعات وإنما نكاية بالنخب الحاكمة. الإسلام كان الضحية في هذه المعادلة, إذ أصابه التشويه في الذهنية الغربية والتسخير في تلبية طموحات الحكم في البلاد المسلمة. الأطراف جميعها اشتركت في تعزيز ذهنية التطرف والجميع يدفع الثمن غالياً، لما وصلت له الأوضاع. العقل المسلم تربى على أنه الأصح وأن الآخر على خطأ، وتعززت نظرة أحادية شيفونية بين الناشئة، وعمل كل من الإعلام والتعليم على تشويه الحقائق التاريخية الإسلامية، وتحول حلم الخلافة الإسلامية إلى المنقذ من حدة الأزمة دون اكتراث لطبيعة التطورات التي حلت بالعالم. الدول الإسلامية والعربية لم تعبأ بالشحن العاطفي ضد كل ما هو غير إسلامي بل كانت تعتقد أن الشحن العدائي طالما يتوجه للخارج فلا بأس به، إلى أن انقلب السحر على الساحر وتحول التطرف والعنف إلى الداخل ولم يعد الغرب المعني به لوحده. نحن إذن أمام ظاهرة معقدة ولا يمكن حلها إلا من خلال فهم جديد للتشويه الذي أصاب الذهنية، سواء العربية المسلمة أو الغربية التي ولدت لنا الصراع الحضاري الجديد! د. علي الطراح