يكشف الصراع العربي الإسرائيلي في الوضع الراهن عن بعض التباين في المواقف حول عملية السلام، رغم أن هناك اتفاقاً مؤكداً بين الأطراف العربية على دعم الشعب الفلسطيني للحصول على حقوقه المشروعة. وقد تصدر الصراع العربي- الإسرائيلي مؤخراً الإعلام (المرئي والمكتوب) في جهات أبرزها مصر وسوريا وإيران، حيث تقف كل من مصر وسوريا، من دول الجوار لإسرائيل، في مقابل نفوذٍ إيراني في الصراع مع إسرائيل متمثل في التحالف مع سوريا ودعم "حزب الله" وحركة "حماس"، ولعب دورٍ كبير في استقرار العراق. وفي هذا الصدد لدى مصر اتفاقية سلام مع إسرائيل، وتعاني سوريا من الاحتلال الإسرائيلي لجزء من أراضيها. أما إيران، فتختلف عنهما بأنها تحتل أرضا عربية (الجزر الإماراتية). وقد تولد عن هذه المواقف المختلفة قيام كل دولة باعتماد استراتيجية نابعة من رؤيتها لكيفية إدارة الصراع العربي- الإسرائيلي. أ‌-الموقف السوري: استطاعت سوريا منذ ثلاثين عاما تدشين نفوذٍ كبير لها في لبنان، وذلك للحيلولة دون استغلال أراضي لبنان وضعف الجيش اللبناني من قبل إسرائيل لتطويق الجولان المحتلة واجتياح دمشق أو شمال سوريا. وقد تعاظم التخوّف السوري من إسرائيل نتيجة الحرب الأهلية اللبنانية والتصادم بين القوات الإسرائيلية والسورية، أي أن النفوذ السوري في لبنان كان أحد أسباب الوقوف أمام التوجه الجيوسياسي الأمني الإسرائيلي المتمسك بهضبة الجولان التي تعد محور قوة لإسرائيل مقابل ضعف لسوريا. وتقوم سوريا بدعم "حزب الله" من خلال استراتيجية الضغط الأمني والاستنزاف للحصول على تنازلاتٍ سياسية في إطار عملية السلام في المنطقة، وهي الإستراتيجية التي اتضحت في دعم حركة "حماس". وقد عززت حقيقةُ النفوذ السوري في لبنان مكانةَ سوريا إقليمياً من وجهة ما أفرزته الحرب الأهلية من الوصاية الأمنية. ومما لا شك أن لسوريا طموحاتٍ قوميةً تاريخية في لبنان ومصالح سياسية في الصراع مع إسرائيل. وقد تجاوز النفوذ السوري في لبنان ليكون أحد أهدافه الحفاظ على الأمن السوري الداخلي ومنع تكوين معارضة ضد النظام، إلى جانب تحقيق مصالح ومكاسب اقتصادية وتجارية، وإن كانت على حساب لبنان حيث يعمل الكثير من العمال السوريين. وهناك أيضاً السوق اللبنانية والمنظومة المصرفية وأعمال التهريب المختلفة واستغلال مصدر المياه. وتواجه سوريا ضغوطا وصعوباتٍ منها قضية اغتيال الحريري والملف الأمني والسياسي في لبنان ودعم حزب "الله" و"حماس"، وعدم وضوح مسألة مزارع شبعا واستغلالها في عدم ترسيم الحدود مع لبنان وأيضاً عدم ضبط الحدود مع العراق، فكل ذلك يجعل سوريا تبحث عن مخرج لهذه الصعوبات والتحديات وعن طرق نفوذ جديدة في لبنان الذي طالما كان الورقة الاستراتيجية الأهم لدى القيادة السورية في المنطقة طوال ثلاثين عاما واللعب بالورقة الحدودية مع العراق. ب‌- الموقف الإيراني: يبرز التعاطي الإيراني مع الصراع العربي- الإسرائيلي من خلال نقل الصيغة الفكرية الثورية والتي تعود إلى الأيام الأولى للثورة الإسلامية الشيعية بقيادة آية الله الخميني. ويرتكز الموقف الإيراني على رفض وجود إسرائيل كدولة، واستخدام الجهاد المسلح أسلوباً وحيداً من أجل تحرير فسلطين، وباقي الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل، وتتضح هذه الإستراتيجية في دعم "حزب الله" و"حماس"، رغم أن ذلك يكون على حساب استقلالية الحركتين. والتأمُّل في النفوذ الإيراني في العراق ولبنان ودعم "حماس" والتحالف مع سوريا وخلق نفوذ عقائدي مذهبي ومحاولة الحصول على التكنولوجيا النووية، واستمرار احتلال الجزر الإماراتية وعدم ترسيم الحدود البحرية في الخليج والتحالف مع الولايات المتحدة في حرب أفغانستان(ضد طالبان)، يقود إلى حقيقة الرغبة الإيرانية في الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية وتجارية وتكنولوجية كفيلة بجعل إيران دولة متعاظمة الأهمية في منطقة حيوية وتجارية بسبب الموارد الطبيعية والأسواق وما تتيحه المنظومة الرأسمالية. أي أن إيران تحاول مقايضة نفوذها بدور شبه مركزي في المنطقة. ج– الموقف المصري: يقوم على اعتبار أن التسوية السياسية هي المسار والوسيلة الأنسب لاستعادة الحقوق العربية المشروعة(التي تحظى بدعم عربي ودولي كبيرين)، وهي وسيلة لا تخلو من الصعاب والعقبات كما أنها تستدعي توظيف كل الوسائل السياسية والقانونية من أجل تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بعودة الأرض العربية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية، فالسياسة المصرية تدرك حقيقةً بأن إسرائيل أمرٌ واقعي يجب التعامل معه في السياسة الدولية من خلال المنظمة الأممية. ومصر تُعد أكثر البلدان تواجداً في الساحة، وذلك لأن المفاوض الفلسطيني (السلطة الفلسطينية الشرعية) تتَّصل دائماً بمصر التي تُسَهل الاتصالات واللقاءات والمشاورات مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي، وتعمل على تقديم المشورة القانونية والسياسية والدعم المعنوي والمادي. فالأولوية في الموقف المصري التسوية السياسية، ولذلك نجد أن التوجه المصري بعيدٌ عن طرح الكفاح المسلح والحرب بل يحرص الموقف المصري على تهيئة مُناخ إقليمي ملائم للتفاوض والتباحث، ومصر لا تُزايد بنفوذها الإقليمي على أي دولة ولا على مكاسب يمكنها أن تخلَّ بحقوق أطراف أخرى، ويسجل لمصر بأنها الأكثر حضوراً وفعاليةً في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي عسكرياً وسياسياً وأمنياً وأدبياً. حميد المنصوري *باحث إماراتي في العلوم السياسية he_almansory@yahoo.com