من التساؤلات التي يطرحها المثقفون العرب عند مطالعتهم لرسائل الماجستير والدكتوراه، التي تجاز في أقسام الأدب العبري بالجامعات المصرية، في موضوع صورة العرب في الأدب الإسرائيلي... تساؤل يتصل بالهدف الذي يرمي إليه الأدباء الإسرائيليون من تقديم صور سلبية للأبطال العرب في أعمالهم. البعض يتصور أن هذه الصور السلبية تستهدف الحط من شأن العرب وتسفيههم، بقصد رفع المعنويات لدى القارئ الإسرائيلي. غير أن استغراقي في دراسة هذه الحالة الأدبية السلبية، أوصلني إلى اعتقاد بأن الأدباء الإسرائيليين يمارسون بوعي أو بدون وعي، عملية فكرية معروفة لدى علماء النفس بمصطلح Dehumanization، وهي عملية يلجأ إليها الفرقاء المتخاصمون سواء على المستوى الشخصي أو المستوى الجماعي أو الوطني، لنزع الصفات الإنسانية عن الخصم وتجريده من صورته البشرية، ليس من قبيل السب والتجريح، بل في إطار إخراجه من هيئته الإنسانية وإدخاله في إطار هيئة شيطانية أو حيوانية كريهة، تستفز المشاعر ضده وتسهل عمليات العدوان البدني عليه ببرود أعصاب، باعتبار أن القضاء عليه والسبق إلى اغتياله، هو نوع من الدفاع عن النفس قبل أن يتاح لهذا الخصم الشيطاني أو الوحشي أن يبادر بالهجوم. هذه العملية تنتهي مع نزع الصفات الإنسانية إلى نتيجة تعرف بمصطلح Demonization، أي وضع الخصم في صورة الشيطان أو العفريت المخيف، الذي لابد من التعجيل بإبادته عملاً بمنطق "أتغدى به قبل أن يتعشى بي". لكي تتبين أبعاد هذه الوظيفة في إطار الفكر الإسرائيلي والأدب العبري، استدعي الواقعة التالية التي حدثت عام 1983، في ذلك العام انفجرت مظاهرات طلابية خرجت من المدارس الثانوية في الضفة الغربية. كان الطلاب يتظاهرون احتجاجاً على قيام بعض المنظمات الصهيونية بدس أنواع من السموم على هيئة غاز في مدارس الفتيات العربيات بهدف إصابتهن بالعقم، واتصل أحد القادة الميدانيين برئيس الأركان الإسرائيلي في ذلك الوقت الجنرال رفائيل ايتان: ماذا أفعل يا سيدي؟ إن الطلاب يلقون علينا بالحجارة. وجاءت إجابة الجنرال لتقول بالنص: "انزعوا لهم خصياتهم، لا ضرورة لأن يكونوا رجالاً". بعد أسابيع تعرض رئيس الأركان إلى استجواب من أحد أعضاء الكنيست سأله فيه: هل حقاً أصدرت ذلك الأمر القبيح؟ فأجاب الجنرال ايتان بالحرف: "نعم لقد أصدرت الأمر، وإنني أطالب بزيادة عدد المستعمرات في الضفة ليضيق الخناق بالعرب، فلا يجدوا مفراً من أن ينحشروا ليأكلوا بعضهم بعضاً كالخنافس السامة المحشورة في زجاجة، نعم أكررها كالخنافس السامة في زجاجات". في 26/4/1983 نشرت مقالاً في صحيفة "الأخبار" المصرية، أرد فيه على الجنرال بعنوان: "إنهم آدميون وليسوا خنافس تبيدونها يا جنرال". في نفس الوقت كنت أتابع رسالة دكتوراه يعدها الطالب محمود حميدة، حول صورة العربي في الأدب العبري، وتحت تأثير الوصف الحشري للجنرال، اقترحت عليه تخصيص فصل بالرسالة حول الوظيفة التي تقوم بها الصفات السلبية التي تنسب للعرب في متون القصص العبرية، بدءاً بصفات الحيوانات وانتهاءً بتصوير الطباع كطباع الذئاب والحيوانات الغادرة. لقد أثبتت الرسالة المذكورة وغيرها من الأبحاث أن هناك ميلاً ثابتاً في الأعمال الأدبية العبرية لنزع الصفات الإنسانية عن العرب، وهو ميل يتوافق مع توجهات الجنرالات والساسة ورجال الدين على حد سواء. فلقد ظهرت تباعاً على ألسنة القيادات الإسرائيلية صفات للعرب تعتبرهم حيوانات وحشية، أشهرها ذلك التصريح الذي أدلى به الحاخام عوفاديا يوسف زعيم حركة "شاس" الروحي، عندما قال أثناء مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 موبخاً رئيس الوزراء إيهود باراك: "هل هناك رجل راشد العقل يعقد سلاماً مع الأفاعي؟". إن الوظيفة الصريحة لعملية نزع الصفات الإنسانية عن العرب، تستهدف تجريدهم من حق المعاملة الإنسانية في المجال السياسي والاجتماعي، وتمهد لتصفيتهم في حالات الحروب وتأجج الصراع. وهو أمر يجب أن يحتل اهتماماً لدى الساسة العرب.