أطلق الرئيس جورج بوش وعدد من كبار مسؤوليه حملة خطابية جديدة, عمدت إلى مقارنة الحرب الدولية الجارية الآن على الإرهاب, بتلك التحديات التي واجهتها الديمقراطيات الغربية, من قبل الأنظمة الفاشية في عقدي الثلاثينيات والأربعينيات, وبذلك الخطر الذي شكلته الأيديولوجية الشيوعية كما عبر عنها قائدها لينين في عشرينيات القرن الماضي. ولعل الأكثر لفتاً للأنظار والاهتمام, تشبيه وزير الدفاع دونالد رامسفيلد لمنتقدي ومعارضي سياسات الرئيس بوش بـ"متزلفي" القائد النازي أدولف هتلر, الذين عقدوا معه الصفقات والاتفاقيات التي كانت أسوأها صيتاً "اتفاقية ميونيخ" التي وقعت عليها كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا في سبتمبر من عام 1938, والتي جرى بموجبها تسليم تشيكوسلوفاكيا السابقة لألمانيا. ونسجاً على هذه الفكرة والمنوال, أشار رامسفيلد إلى نوع جديد من "الفاشية الجديدة"، ودلل عليه بسلسلة الهجمات الإرهابية التي وقعت على كل من نيويورك وواشنطن وجزيرة بالي ولندن ومدريد وموسكو وغيرها. والملاحظ أن رامسفيلد يكاد لا يقيم فارقاً ولا تمييزاً بين منفذي هذه الهجمات ومدبريها. وعلى سبيل المثال, فقد كان منفذو الهجمات على موسكو من العناصر الشيشانية المتطرفة, التي تعمل على أجندة جد محلية وإقليمية, لا صلة لها البتة بالأجندة الدولية لتنظيم "القاعدة" مثلاً. وفي خطاب له في الخامس من شهر سبتمبر الجاري, سلط الرئيس بوش جل حديثه على ما أسماه "شرور بن لادن", مقارناً بينه وهتلر. وكانت الرسالة الرئيسية التي أفضى إليها الخطاب المذكور, هي أن الوقت غير مناسب الآن لقطع المهمة التي بدأت في العراق وأفغانستان والهرب منها. وبيّن الرئيس أن تنظيم "القاعدة" أعلن العراق أهم جبهة له الآن في حربه ضد الولايات المتحدة الأميركية. ومن بين الذي أكده بوش, إشارته للخطر الأمني الذي باتت تشكله إيران, باعتبارها دولة شبيهة بتنظيم "القاعدة", ليس لها من هدف سوى طرد أميركا من المنطقة, وتدمير إسرائيل وبسط هيمنتها على الشرق الأوسط الكبير. ولكي نوجز الفحوى العامة للرسالة التي أراد بوش إيصالها لنا, فإنه لا سبيل للتهاون ولا مجال لاسترضاء أولئك الذين ينادون بالإرهاب أو يدعمونه ويؤازرونه. وإنه لمما يثير السخرية والضحك, أن تتخذ باكستان الحليف الأقرب لواشنطن في حربها على أسامة بن لادن, خطوة مفارقة وموازية لمنحى بوش هذا, وحديثه المتكرر عن أسامة بن لادن، مع ملاحظة أن اسم هذا الأخير قد ورد 17 مرة على الأقل في الخطاب. وتمثلت هذه الخطوة الباكستانية في إبرامها اتفاقاً مع زعماء القبائل في الحدود الشمالية الغربية للبلاد, وهي المنطقة عينها التي يعتقد أن أسامة بن لادن لا يزال يختفي فيها. وتنص هذه الصفقة على أنه وفيما لو التزم زعماء القبائل بوقف شن الهجمات داخلياً على باكستان, وخارجياً على أفغانستان عبر الحدود المشتركة معها, فإن الجيش الباكستاني سيلتزم من جانبه بوقف كافة العمليات العسكرية الجارية ضد القبائل الآن. وعلى رغم أن الاتفاق نفسه نص على التزام زعماء القبائل بطرد كافة المقاتلين الأجانب الموجودين حالياً في مناطقهم, فإن هذا الواجب مما يقوم به زعماء القبائل وليس الحكومة المركزية في باكستان. بعبارة أخرى فقد أبرم الجنرال برويز مشرف اتفاقاً مع "أعوان" أسامة بن لادن, ما يعني حرية هذا الأخير في فعل كل ما يريد, دون أن يغل يده أحد. وعلى رغم أن في هذا القرار الذي اتخذه مشرّف, ما يعبر عن حساسية داخلية خاصة إزاء المصاعب والتحديات التي يواجهها مع الإسلاميين الباكستانيين, فإن هناك من رأى في الصفقة هذه, عين الذي يتحدث عنه الرئيس بوش من استرضاء وتزلف للإرهابيين. وبعد, فهل تؤوي باكستان الإرهابيين أو "تتزلفهم" باتفاقها هذا, مما يعد انتهاكاً لأهم ركن من أركان السياسة الأميركية لمرحلة ما بعد هجمات 11 سبتمبر؟ وإذا كان مستشارو الرئيس بوش ومساعدوه, يحاولون تسليط الضوء والأنظار على الحرب على الإرهاب, باعتبارها أقوى النقاط التي لا يزال في وسع الرئيس بوش التعويل عليها استعداداً لانتخابات الكونجرس المزمع إجراؤها في نوفمبر المقبل، فهل لذلك التعويل ما يبرره ويسنده حقاً على أرض الواقع في الحرب على الإرهاب؟