يرى محللون سياسيون في فرنسا ودول أوروبية أخرى أن قرار الرئيس الأميركي جورج بوش نقل المشتبه في صلتهم بالإرهاب من السجون التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إي" إلى معتقل غوانتانامو لن يساهم كثيراً في إرجاع ثقة الأوروبيين في الأميركيين. وفي هذا السياق، يقول نيكول باتشاران، الخبير في العلاقات الأميركية- الفرنسية بـ"معهد الدراسات السياسية" بباريس: "إن مدى استعداد ديمقراطي ليبرالي قح للإصغاء إلى جورج بوش، هو نفسه مدى استعداد الفرنسيين للقيام بالأمر ذاته". وقد أثارت اعترافات بوش يوم الأربعاء بوجود سجون تابعة لـ"سي آي إي" –ورفضه الإفصاح عن مكان وجودها- مطالب جديدة في أوروبا بضرورة معرفة جميع مواقعها. ومما يذكر هنا أن صحيفة "واشنطن بوست" ذكرت العام الماضي أن بعضها يوجد في أوروبا الشرقية، غير أنها لم تُشر بالاسم إلى الدول التي تحتضنها نزولاً عند رغبة المسؤولين الأميركيين. وقد أصدرت كل من بولندا ورومانيا، اللتين يرجح محققون أوروبيون احتضانهما لهذه السجون، بياناً يوم الخميس تنفيان فيه وجود تلك السجون على ترابهما. غير أن اعتقال "سي آي إي" للمشتبه فيهم حظي بدعم أستراليا، التي تعد من أقرب حلفاء الولايات المتحدة؛ حيث قال وزير الخارجية ألكسندر داونر للبرلمان إن: "قدراً كبيراً من التقدم تم إحرازه بفضل هذا النوع من البرامج". وأفاد أن عمليات الاستنطاق أدت إلى اعتقال بعض كبار من يشتبه في علاقتهم بالإرهاب. أما أمين عام الأمم المتحدة كوفي عنان، فقد عبر عن وجهة نظر مختلفة إذ قال: "لا أستطيع أن أصدق أنه يمكن أن تكون ثمة مقايضة بين محاربة الإرهاب وحماية الحريات المدنية"، مضيفاً "إذا ما طُلب منا كأفراد التنازل عن الحرية وحقوق الإنسان من أجل حمايتنا من الإرهاب، فهل نحن محميون؟". بعض المحللين في أوروبا ركزوا كثيراً على تصريح الرئيس بوش الذي جاء فيه أن على "سي آي إي" استعمال السجون مرة أخرى في المستقبل. وفي هذا الإطار، يقول مايكل إيمرسون، زميل "مركز دراسات السياسة الأوروبية" ببروكسل: "لم يتم التخلص من السجون أو إغلاقها"، مضيفاً أنه في حال استُعملت من جديد، "فحينها، لن تكون الهيئة السياسية الأوروبية سعيدة بذلك". ومن جانبه، يقول فرانسوا هيسبورغ، المحلل العسكري بـ"مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية" بباريس، إن الناس في فرنسا مذهولون لسماع أن القوات الأميركية تلقت تعليمات خاصة بعدم استعمال ما يعتبر هنا على نطاق واسع تقنيات تعذيب قديمة، وخصوصاً الممارسة المعروفة بـ"التعذيب المائي"، والتي يقوم فيها الجلادون بجعل السجناء يشعرون وكأنهم يغرقون. ويقول هيسبورغ: إنه أمر يُذكّر بواحدة من الممارسات التي كانت مفضلة لدى "الغيستابو" (جهاز الأمن الداخلي في عهد ألمانيا النازية) وهي التعذيب في حوض الاستحمام!، ويضيف قائلاً: "إن حقيقة أن الجيش الأميركي اضطر إلى التنبيه بتعبير صريح على أنه لا ينبغي القيام بهذا إنما يبعث على الاعتقاد للأسف أنها قد تكون في الواقع عملية درجوا على القيام بها في ذلك الوقت". ويتابع هيسبورغ قائلاً إنه من غير المرجح أن "يغير قرار بوش في هذه المرحلة من القصة من نظرة الناس إليه؛ فقد تم تلقي الخبر هنا كتأكيد لما كان يعتقده الناس أصلاً، وهو أن هؤلاء الأشخاص يقومون بأمور لا ينبغي القيام بها". ومن جانبه، قال رينيه فان دير ليندن، رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، في تصريح له: "إن اختطاف الناس وتعذيبهم سراً -بغض النظر عن المكسب المغري الذي قد يتم تحقيقه على المدى القريب- هو من أفعال المجرمين، وليس الحكومات الديمقراطية". وأضاف قائلاً: "إن هذه الممارسات تخلق على المدى البعيد المزيد من الإرهابيين؛ وتضعف القيم التي نحارب من أجلها"، مضيفاً "إنه لن يكون لأوروبا أي دور في نظام حاط من الكرامة الإنسانية مثل هذا النظام". ومما يذكر هنا أن جمعيته قامت بفتح تحقيق بشأن نظام السجون التابعة لـ"سي آي إي". كما ينتقد بعض الأوروبيين مخططات الولايات المتحدة بشأن محاكمة السجناء في محاكم عسكرية. وفي هذا الإطار، تقول "ليز لين"، العضو البريطاني في البرلمان الأوروبي، إن هذه الهيئات "لا تنسجم قي الواقع مع القانون الدولي". وترى "لين" أن بوش يرغب في محاكمة المشتبه فيهم من دون السماح لهم بمعرفة الدليل المقدم ضدهم إذ تقول: "إن الولايات المتحدة ستكون سريعة في إدانة أي بلد آخر يحاكم أشخاصاً دون أن يتركهم يرون الدليل". وأضافت قائلة: "لو أن بوش أعلن اعتزامه إغلاق معتقل غوانتانامو ومحاكمة الأشخاص هناك وفق مقتضيات القانون الدولي، أو إخلاء سبيلهم في حال لم يكن ثمة دليل، حينها سيكون قد أصلح ما تضرر من مصداقيته"، مضيفة: "أما في حال لم يفعل، فكما لو أنه يصب الآن الماء في غربال". جون ورد أندرسون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "واشنطن بوست" في باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"